والطريقة ولسانه الشريعة وعموده العدل والإنصاف يوزن نفسه يوم القيامة
بميزان الشرف ، ويوزن قلبه بميزان اللطف ، ويوزن عقله بميزان النور ، ويوزن روحه
بميزان السرور ، ويوزن سره بميزان الوصول ، ويوزن صورته بميزان القبول ، فإذا ثقلت
موازينه بما ذكرنا فجزاء نفسه الأمن من الفراق ، وجزاء قلبه مشاهدة مشوق في
الأشواق ، وجزاء عقله مطالعات الصفات ، وجزاء روحه كشف أنوار الذات ، وجزاء سره
إدراك أسرار القدميات ، وجزاء صورته الجلوس في مجالس وصال الأبديات.
وأيضا هاهنا
لأهل الحق موازين ، ميزان الإرادة ، وميزان المحبة ، وميزان الشوق ، وميزان العشق
، وميزان المعرفة ، وميزان اليقين ، وميزان التوحيد ، فهذه سبعة موازين فينبغي أن
يزن المريد نفسه في كل نفس بميزان الإرادة ، ويزن المحب قلبه في كل نفس بميزان
المحبة ، ويزن المشتاقين عقله في كل نفس بميزان الشوق ، ويزن العاشق روحه في كل
نفس بميزان العشق ، ويزان العارف سره في كل نفس بميزان المعرفة ، ويزن الموقن
أنفاسه في كل نفس بميزان اليقين ، ويزن الموجد جميع وجوده بميزان التوحيد ،
فيستوفي المريد بميزان إرادته عن نفسه انقيادها للحق عند جريان القضاء والقدر
عليها ، ويستوفي المحب بميزان محبته عن قلبه شهوده في الحضرة بلا خطرات المذمومة ،
والالتفاتات المشوبة بنعت النيات الصافية ، ويستوفي المشتاق بميزان شوقه من عقله
جولانه في الشواهدات لطلب عرفان المشاهدات بلا فترة ولا رعونة ، ويستوفي العاشق
بميزان عشقه من روحه طيرانها في الملكوت لطلب الجبروت ، ويستوفي العارف بميزان
معرفته من سره إصغاء بنعت الشهود ؛ لكشوف أنوار الغيب ، وغوصه في بحر الهموم لطلب
جوهر الإلهام ، ويستوفي الموقن بميزان اليقين من أنفاسه صعودها عند تنفسها إلى
معارف القرب بلا هواجس اليقين وغبار الوسواس ، ويستوفي الموحد بميزان توحيده من
جميع وجوده اضمحلاله في أنوار كبريائه القديم ، وفنائه في سبحات الأبد ، فمن ثقلت
هذه الموازين أفلح عن حجبة الامتحانات ، وتنقل موازين الحضرة غدا بفيض أنوار صفات
الحق ، ولطائف ذاته وكرامات قربته له ، فيفلح هناك بالله عن غير الله ويصير أهلا
لله ؛ لأنه خرج عن موازين صفاته وأنوار ذاته بنعت المعرفة والتوحيد والمحبة ،
فطوبى لهذا المحاسب طوبى له وحسن مآب.
قال الشيخ أبو
عبد الرحمن السلمي في تفسير هذه الآية : ومن وزن نفسه بميزان العدل كان من المحبين
، ومن وزن خطراته وأنفاسه بميزان الحق اكتفى بمشاهدته ، والموازين مختلفة ، ميزان
للنفس والروح ، وميزان للقلب والعقل ، وميزان للمعرفة والسرّ ، فميزان النفس
والروح الأمر والنهي وكفتاه الكتاب والسّنة ، وميزان القلب والعقل والثواب والعقاب
وكفتاه الوعد والوعيد ، وميزان المعرفة والسرّ الرضا والسخط وكفتاه الهرب والطلب.