اللام لترقيه خاطره وزيادة إدراكه ، ثم صرح الخطاب بحرف الميم وبيّن له
بحرف الصاد ما كان في الأحرف الخاص ؛ لأن بحرف الصاد صفا جميع علومها له ، ثم عمّ
العبارة للخلق بالسورة لقلة إدراكهم لعزّ الأسرار ولطائف ضمائر الإضمار ، وأيضا
أخبره بلام ألف سر أوليّته ، وما في بحار أزليته.
ألا ترى كيف
شقّ الألف من اللام لإخفاء الإشارة حتى لم يبق حديث العدم في القدم ، وكيف يكون
لها من لام وألف ومعناها العدم ، فشقّ أحدهما عن الآخر حتى لا يكون حديث النفي ؛
لأن النفي علّة يقع على الحدثين ، وليس ذكر الحدثان في القدم أخبر بالألف عن أحدية
الأولية ، وباللام عن الأزلية السرمدية ، وبالميم عن محبته القدمية ، وبالصاد عن
صفاته القائمة بذاته الأبدي ، أخبر بالألف عن الذات ؛ لأنها عين الواحد ، ثم أخبر
باللام والميم والصاد عن شمول صفاته القديمة ، الألف من الذات ، واللام من صفة
الأزل ، والميم من صفة المحبة ، والصاد خير جميع الصفات.
قال محمد بن
عيسى الهاشمي : سمعت من ابن عطاء أنه قال : لمّا خلق الله الأحرف جعل لها سرّا ،
فلمّا خلق آدم عليهالسلام بث فيه ذلك السر ولم يبثه في الملائكة ، فجرت الأحرف
على لسان آدم عليهالسلام بفنون الجريان وفنون اللغات جعله الله صوره لها.
وقال الحسين :
الألف ألف المألوف ، واللام لام الآلاء ، والميم ميم الملك ، والصياد صاد الصدق.
وقال : في
القرآن علم كل شيء ، وعلم القرآن في الأحرف التي في أوائل السور ، وعلم الحروف في
لام ألف ، وعلم لام تلك في الألف ، وعلم الألف في النقطة ، وعلم النقطة في المعرفة
الأصلية ، وعلم المعرفة الأصلية في الأزل ، وعلم الأزل في المشيئة ، وعلم المشيئة
في غيب الهو ، وغيبه الهو ليس كمثله شيء.
وقال أبو محمد
الجريري : أن لكل لفظ وحرف من الحروف مشرب فهم غير الأخر.
ومن شرّاح ذلك
حين سمعه يقول : (المص) للألف عندهم فهم ، وللفهم في محضرهم استماع إلى حسن
مخرج وطعم عذب موجود نظر إلى المتكلم ، وكذلك اللام حسن استماع ومخرج غير الألف
وطعم فهم موجود ، وكذلك للميم حسن استماع من مخرج غير اللام وطعم فهم موجود ،
والصاد حسن استماع إلى حسن مخرج وطعم فهم موجود غير الميم فممزوج ذلك كله
بالملاحظة للمتكلم.
وقال الحسين :
الألف ألف الأزل ، واللام لام الأبد ، والميم ما بينهما ، والصاد اتصال من اتصل به
، وانفصال من انفصل عنه ، وفي الحقيقة الاتصال والانفصال ، وهذه ألفاظ تجري