(المص) كان الله سبحانه إذا أراد أن يتكلم مع نبيه محمد صلىاللهعليهوسلم بقصص الأنبياء ، وما جرى عليهم في الدهور والإعصار ، وشأنه معهم في الأسرار والحقائق والشرائع ، وأراد أن يخصه عليهالسلام بشريعته ، وما يكون من طريقته الخاصة إلى حضرته ، وتحيّره ممّا كان وما يكون إشارة إلى هذه الأشياء له بحروف التهجي ، وأعلم سر ذلك محض الإشارة ولطيف الخطاب ، وعلم تعالى أنه صلىاللهعليهوسلم يعرف بتلك الإشارة مراده من علم سابق ونبأ طارق ، وعلم تعالى أن عموم أمته لا تعرف تلك الإشارة فعبّر عنها بسورة طويلة من القرآن ؛ ليعرفوا مراده سبحانه من خطابه وخواص أمته ، ربما يطلع على سر بعضها كالصحابة والتابعين والمتقدمين من الأولياء والعلماء.
كانت حروف المقطعات رموز معاني سور القرآن لا يعرف تلك الرموز إلا الربانيون والأحبار من الصديقين ، فهذا الألف إشارة إلى آدم عليهالسلام ، ألا ترى أن أول اسم آدم عليهالسلام ألف إشارة ، الألف إلى حاله وقصته وبدو أمره وخلقته ، وعرضه على الملائكة ودخوله الجنة وخروجه منها ، وكان هو أصل الفطرة ، ومن تشعب منه فهو تابع له في الذكر ، وإشارة الألف إلى علم الأسماء بقوله : (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ) التي فيها أنباء جميع الذات والصفات والنعوت والأفعال ، وعلم ما كان وما سيكون عرّف نبيه محمد صلىاللهعليهوسلم ما عرف آدم عليهالسلام بجميع الأسماء بحروف الألف ؛ لأنه كان صلىاللهعليهوسلم ألطف الأولين والآخرين وأكرمهم على الله ، وعلى قدر قربه إشارة ألطف وأخفى وأخبر باللام ، هاهنا تعالى حبيبه قصة تجلاه لموسى عليهالسلام والجبل ، وعرف بها تلك الأحوال الماضية.
ألا ترى إلى حرف اللام في التجلّي ، وعرّف بحروف الميم شأن موسى عليهالسلام وقصته من أوله إلى آخره ، ألا ترى إلى حرف الميم مراسم موسى عليهالسلام ، وعرف بحرف صاد هاهنا قصص نوح وهود عليهالسلام وصالح عليهالسلام وشعيب عليهالسلام ولوط عليهالسلام وجميع ما جرى عليهم من بدئهم إلى آخر أعمارهم ، وأخبر بحرف صاد صبرهم ، وتحملهم في بلائه وصدق محبتهم بالوفاء والصدق بالأعمال والأقوال ، وتصديق ذلك وهو أن تحت الحروف جميع الكتب مندرجة ما روي في الحديث عن قول النبي صلىاللهعليهوسلم : «إن الله سبحانه أعطى آدم عليهالسلام حروف التهجي ، وكان كل حروف كتابا من الله تعالى إليه» (١).
وأيضا أخبر سبحانه بحرف الألف نبيه عليهالسلام عن عين القدم ووحدانية نفسه المنزّه عن الاجتماع والافتراق ، وإصدار جميع المخلوقات منه ؛ لأنه تعالى مصدر جميع الوجود ، كما أن الألف مصدر جميع الحروف ، وأخبر بالألف سر الأسرار وصرف الأنوار ، وما كان في جميع الحروف من علم الأولين والآخرين ، وهذا أدق إشاراته إلى نبيه عليهالسلام ثم زاد وضوحه بحرف
__________________
(١) ذكره ابن طاهر في «تذكرة الموضوعات» (ص ١٦٨).