وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً (١٣٦) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً (١٣٧) بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (١٣٨))
قوله تعالى : (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ) العدل صفة الحق ، فمن اتصف بصفته يكون عادلا في جميع الأحيان ، لكن ما كان العدل مستعارا في التخلق يرجع إلى معدنه عند الامتحان ، ولذلك قال تعالى : (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا) ، وهاهنا أجدر أن ينصرف العدل إلى معدنه ؛ لأن ميلان الأرواح والأشباح بعضها بعضا علّة الفطرة ، وحبّ النساء من أحكام العشق الروحاني طبعا وطلبا لمعدن حسن الأزل ، فكيف تكون الاستطاعة من النفس بالعدل بينهن والروح في طلب زيادة الحسن أبدا! ولذلك قال تعالى : (وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ) أي : أرموا النفوس بأزمة المجاهدة والرياضة والمراقبة عند امتناعها من الخضوع عند أمر خالقها.
قال الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي في قوله : (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ) : فكيف تستطيعون العدل بينكم وبين الحق وليس من العدل أن تحب ما يشغلك عن حبيبك ، وليس من العدل أن تفتر عن طاعة من لا يفتر عن ترك.
وقال الواسطي في قوله : (فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ) الجوارح تبع للقلب ؛ لأنه أمير أمرك أنّ تخالفه إذا خالف الحق.
(وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللهَ) التقوى حقيقة العبودية ، ولا يستقيم أمرها إلا بأداء حقوق التقوى ، وهى الاجتناب مما منعه الله من النفس والهوى ، ومعنى (أَنِ اتَّقُوا اللهَ) أي : أنظروا بأبصار القلوب إلى عالم الغيوب ترون سبحات عظمتي وجلال عزتي الذي ينبغي للعباد أن يدونوا تحت تجليه.
قال بعضهم : أمر الكل بالتقوى ، وأوصل النفس إلى التقوى ، من جرى له في السبق عناية.
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ) أمر سبحانه العباد بالإنصاف والقسط والعدل في الشهادة ؛ لئلا يتنوع الحكم حين تميل النفس إلى غير الله ، أي : راقبوني في أمري ، ولا تراقبوا غيري ؛ فإن الشاهد العادل إذا كان مراقبا لي يرى شهودي على كل ذرة ، فيفرغ بي شهادته من شهودي.