قيل في قوله : (وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ) : من علو رتبتك على الكافة (١).
قوله تعالى : (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ) وبّخ الله سبحانه قوما ليس مجالستهم ونجواهم لله فكل مجالسة على غير ابتغاء وجه الله ، والشيطان يغريهم إلى الغيبة والبهتان والنميمة والترهات ، أي : لا خير في كثير من هؤلاء في نجواهم يعني [...] (٢) وقومه.
ثم استدرك ووصف أهل المجالسة لله الذين جلسوا لمحبته ، وقاموا لشوقه ، واجتمعوا لعشقه ، وتفرقوا لطلب زيادة معرفته والمساكنة في مجالس أنسه بالخلوات في الفلوات.
ثم وصفهم بأحسن الوصف ؛ حيث آواهم إلى كنف قربه وحجال أنسه بقوله : (ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا) [المجادلة : ٧].
ثم وصفهم على لسان نبيه ، وزاد شرفهم ؛ حيث قال عليه الصلاة والسلام فيما روى عن الله عزوجل : «وجبت محبّتي للمتحابّين فيّ ، والمتزاورين فيّ والمتجالسين فيّ ، والمتباذلين فيّ» (٣).
سبق في الأزل محبته لهم ، فأوقعتهم تلك المحبة الأزلية في بحار محبته ، حتى استغرقوا فيها إلى الآباد لا مخرج منها لهم بالنظر إلى سواه ، قال تعالى في وصفهم : (يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) [المائدة : ٥٤] نجواهم جريان أسراره وجولان أنفاسهم في ميادين أنواره ، فساعة تاهوا ، وساعة تحيروا ، روحهم بمروحة أنسه ، وأدخلهم في قباب قدسه ، وسقاهم من شراب لطفه ،
__________________
(١) قال حقي : احسبوا أن علم الروح مما لم يكن يعلمه ألم يخبر أن الله علمه ما لم يكن يعلم فأما سكوته عن جواب سؤال الروح وتوقفه انتظار للوحي حين سألته اليهود فقد كان لغموض في معنى الجواب ودقة لا تفهمهما اليهود لبلادة طباعهم وقساوة قلوبهم وفساد عقائدهم ، فإنه وما يعقلها إلا العالمون وهم أرباب السلوك والسائرون إلى الله فإنهم لما عبروا عن النفس وصفاتها ووصلوا إلى حريم القلب عرفوا النفس بنور القلب ولما عبروا بالسر عن القلب وصفاته ووصلوا إلى مقام السر عرفوا بعلم السر القلب وإذا عبروا عن السر ووصلوا إلى عالم الروح عرفوا بنور الروح السر وإذا عبروا عن عالم الروح ووصلوا إلى منزل الخفى عرفوا بشواهد الحق الروح ، وإذا عبروا عن منزلة الخفى ووصلوا إلى ساحل بحر الحقيقة عرفوا بأنوار صفات مشاهدات الجميل الخفى ، وإذا فنوا بسطوات تجلى صفات الجلال عن أنائية الوجود ووصلوا إلى الجنة بحر الحقيقة كوشفوا بهوية الحق تعالى وإذا استغرقوا في بحر الهوية وابقوا ببقاء الإلهية عرفوا الله بالله ، فإذا كان هذا حال الولي فكيف حال من يقول علمت ما كان وما سيكون. [روح البيان ٧ / ٢٨٠].
(٢) بالأصل (طعمة) وهي غير واضحة.
(٣) رواه أحمد (٥ / ٢٣٣).