بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (١١٤) وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً (١١٥) إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً (١١٦) إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ إِناثاً وَإِنْ يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطاناً مَرِيداً (١١٧))
قوله تعالى : (وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ) أي : أنزل عليك الكتاب شاهدا على ما كوشف لك قبل نزول الكتاب من أحكام المشاهدة والمعرفة ، وما استأثرك من علوم الغيبية لتثبيت فؤادك بما وجدت منا قبل نزول الكتاب كقوله : (وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ) [هود : ١٢٠] ، والحكمة إحكام الطريقة وآداب القربة ونوادر علوم الإلهية ، (وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ) أي : علوم عواقب الخلق ، وعلم ما كان وما سيكون.
قوله تعالى : (وَكانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيماً) بمسابقتك على الأنبياء بكشف جمالي ورؤية ذاتي وصفاتي ودنوك مني حيث قلت : (ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى (٨) فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى) [النجم : ٨ ، ٩] ، وعني بالفضل العظيم استغراقه في بحار قدمه وبقاءه بنعت المعارف والكواشف.
قال الجنيد في قوله : (وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ) : عرّفك قدر نفسك.
قال سهل : العلماء ثلاثة : عالم بالله لا عالم بأمر الله ولا بأيام الله ، وهم المؤمنون ، وعالم بالله عالم بأمر الله لا عالم بأيام الله ، وهم العلماء ، وعالم بالله وعالم بأمر الله وعالم بأيام الله ، فهم النبيون والصديقون.
وقيل : علمتك من مكنون أسراري ما لم تكن تعلمه إلا بي.
قال الواسطي في قوله : (وَكانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيماً) : إنما عظّمه بالمباشرة ، فاحتمل الذات بعد ما احتمل الصفات ، وموسى احتمل الصفات ، ولم يحتمل الذات.
قال بعضهم : فضلت في الأزل بفضائل ، وقد تعثر في المشاهد العثرة ، كما قال : (عَفَا اللهُ عَنْكَ) [التوبة : ٤٣] ، فتعاتب ، ثم ترد إلى الفضل الذي جرى لك في الأزل.