جاهل غافل ، وعظهم على قدر فهومهم ، فإن موعظتك لهم عقوبة ، حيث لم يعرفوها ، ولم يتبعوها حق الاتباع.
قال الواسطي : أعرض عن الجهّال ، وعظ الأوساط ، وأخبر بعيوب الأشراف ، وخاطب كلّا على قدر طاقته.
وقيل : أعرض عنهم بقولك ، وعظهم بفعلك.
قوله تعالى : (وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً) أي : صفني بالعظمة والكبرياء واستغنائي عن كفرهم وإيمانهم ، وبعدهم الأبدي عني حين احتجبوا عني بحب الرئاسة ، والإنكار على الأنبياء والصديقين.
قال الجنيد : كلّمهم على مقادير العقول ومحتمل الطاقة.
قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً) أخبر الله سبحانه عن قوم نقصوا حظ أنفسهم منه باشتغالهم بحظ أنفسهم من الكون ، وعن مرارة قلوبهم بمر البعد ، لو يخرجون من ظلماتها وحجابها إلى أنوار رؤية النبي صلىاللهعليهوسلم يبصرون في وجهه طلعة جلالي وجمالي ، فيخرجون في رؤيته عن اشتغالهم بالكون ، فيرجعون من أنفسهم بنعت الخجل والحياء إلى ساحة كرمه ، ويقفون على باب عظمته مرهونين باستغفار النبي صلىاللهعليهوسلم ؛ لأن عليهم بقايا الذنوب من ترك الحرمة في ديوان النبوة ، التي لا ترفع عنهم إلا بشفاعته عليهالسلام ، فإذا كانوا كذلك يجدون الله بنعت الإقبال عليهم ، وقبولهم وإرشادهم بنفسه إلى نفسه.
قال ابن عطاء في هذه الآية : أي لو جعلوك الوسيلة إليّ لوصلوا إليّ.
قوله تعالى : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ) بيّن الله سبحانه أنه عليهالسلام سبب إيمان الكل ، والإيمان به يكون بمحل الإيمان بالله ، وقد أشار ههنا إلى مقام الاتحاد وعين الجمع ، وأقسم بنفسه تعالى على ذلك ؛ إعلاما بأن الحبيب والمحبوب واحد في المحبة ، وبيّن أن حقائق الحكم ودقائق الدين لا تظهر إلا عنده ؛ لأنه لسان بيان الحق في العالم ، ونفى الحكم عن غيره من الجبت والطاغوت ، الذين قرأوا الكتب ولم يظفروا بحقائقها.
وصرح في بيان الآية أن من أسلم وسلم الحكم إليه لم يبلغ حقائق الإيمان إلا بسلامة الصدر وسكونه عند قبوله أمره ؛ لأن الطمأنينة هي موضع اليقين ، وحقيقة الإيمان هو اليقين ، وهذا معنى قوله تعالى : (ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً).
قال أبو حفص : رضي الله تعالى من عباده لنفسه بظاهر القول ، ولم يرض لنبيه صلىاللهعليهوسلم إلا