أطاعه بمراده بلا واسطة ، وإذا لم يبلغ إلى تلك الدرجة ولم يفهم حقائق رمز الله يرجع إلى بيان نبيه عليهالسلام ؛ لأنه بيّن غوائص خطاب الله ، وأطاعه فيما أمر ، وذلك طاعة الله بواسطة نبيه ، وإن لم يبلغ إلى فهم خطاب النبي صلىاللهعليهوسلم واستنباطه إشارته يرجع إلى بيان أكابر علماء أمته من أصحابه وغيرهم من الأولياء والصديقين والعارفين ؛ لأنهم بيّنوا خطاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
وأيضا : هذا طاعة الله بوسيلة أولي الأمر والأنبياء والملوك في الدنيا مساقط ظل الله ، ومن أراد أن يرى بهاء الله وآثار عظمته فلينظر إليهم ، قال عليهالسلام : «السلطان ظلّ الله في الأرض» (١) ، وقال : «الملك والنبوة توأمان» ، ومن التبس بظل الله صار أمره أمر الله ، وهاهنا أشار عين الجمع.
وفي الآية إشارة : أي : إذا بلغتم مقام خطاب الخاص من العلوم المجهولة المشكلة اسلكوا مسلكها بغير الواسطة ، كالخضر كان متابعا للعلم اللدني في الخارج عن أمر الظاهر ، مثل قتل الغلام ، وكسر الألواح ، وهذا خاصّ لمن وقع له سهم الغيب ، ومن بلغ مقام التوحيد ومرتبة الاستقامة لسلك مسلك الأنبياء في مباشرة التوسع والرخص كالأنبياء ، مثل سليمان وداود عليهالسلام ويوسف عليهالسلام ومحمد صلىاللهعليهوسلم ، وهذا منزل الاقتداء ، ولا يصلح هذا للمتكلفين ، ومن فتح له باب بيان علم الحقائق يتكلم بإصلاح علماء الله ، فإن سلوك مسالكهم لمن له فهم الغيب طاعة معروفة وأسوة حقيقية ، وكل ما ذكر فهو تفسير قوله تعالى : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ).
وعن جعفر بن محمد قال : (أَطِيعُوا اللهَ) بالرضا بحكمه ، (وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) في المجاهدة في الوفاء بأمره والسر مع الله والظاهر مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
وقال محمد بن علي : أطع الله ، فإن تملك ذلك ، وإلا فاستعن بطاعة الرسول صلىاللهعليهوسلم على طاعة الله ،
فإن وصلت إلى ذلك ، وإلا فاستعن بطاعة الأئمة والمشايخ على طاعة رسول الله ، ولا تسقط عن هذه الدرجة فتهلك.
قال الجنيد في تفسير هذه الآية : العبد مبتلى بالأمر والنهي ، ولله في قلبه أسرار تخطر دائما ، فكلما خطر خاطر عرضه على الكتاب فهو طاعة الله ، فإن وجد له شفاء ، وإلا عرضه على السنة ، وهو طاعة الرسول ، فإن وجد له شفاء ، وإلا عرضه على سر السلف الصالحين ، وهو طاعة أولي الأمر.
قال أبو سعيد الخرّاز : العبودية ثلاثة : الوفاء لله بالحقيقة ، ومتابعة الرسول في الشريعة ،
__________________
(١) رواه البيهقي في الشعب (٦ / ١٦).