وقوله تعالى : (فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها) هذا أمر مجمع عليه بين العلماء ، أن المرأة إذا طلقت قبل الدخول بها ، لا عدة عليها. فتذهب فتتزوج في فورها من شاءت. ولا يستثنى من هذا إلا المتوفى زوجها. فإنها تعتدّ منه أربعة أشهر وعشرا. وإن لم يكن دخل بها ، بالإجماع أيضا. وقوله تعالى : (فَمَتِّعُوهُنَ) المتعة هاهنا أعم من أن تكون نصف الصداق المسمى ، أو المتعة الخاصة إن لم يكن قد سمى لها. قال تعالى : (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ) [البقرة : ٢٣٧] ، وقال عزوجل : (لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً ، وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ ، حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ) [البقرة : ٢٣٦].
وعن ابن عباس : إن كان سمّى لها صداقا ، فليس لها إلا النصف. وإن لم يكن سمّى لها صداقا ، فأمتعها على قدر عسره ويسره ، وهو السراح الجميل. انتهى.
وعليه ، فالآية في المفوضة التي لم يسمّ لها. وقيل : الآية عامة. وعليه ، فقيل الأمر للوجوب ، وأنه يجب مع نصف المهر المتعة أيضا. ومنهم من قال للاستحباب ، فيستحب أن يمتعها مع الصداق بشيء.
لطيفة :
قال الرازيّ : وجه تعلق الآية بما قبلها ، هو أن الله تعالى في هذه السورة ، ذكر مكارم الأخلاق ، وأدّب نبيّه على ما ذكرناه. لكن الله تعالى أمر عباده المؤمنين بما أمر به نبيّه المرسل ، فكلما ذكر للنبيّ مكرمة ، وعلّمه أدبا ، ذكر للمؤمنين ما يناسبه. فكما بدأ الله في تأديب النبيّ صلىاللهعليهوسلم بذكر ما يتعلق بجانب الله ، بقوله (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ) [الأحزاب : ١] ، وثنّى بما يتعلق بجانب العامة بقوله (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً) [الأحزاب : ٤٥] ، كذلك بدأ في إرشاد المؤمنين بما يتعلق بجانب الله فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً) [الأحزاب : ٤١] ، ثم ثنّى بما يتعلق بجانب من تحت أيديهم بقوله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ) ثم ، كما ثلث في تأديب النبيّ بجانب الأمة ، ثلث في حق المؤمنين بما يتعلق بجانب نبيّهم ، فقال بعد هذا (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِ) [الأحزاب : ٥٣] ، وبقوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ). انتهى.