عليهمالسلام ، بالذكر ، لأنهم أكابر الأنبياء وأصحاب الشرائع العظيمة والأتباع الكثيرة. ولاستمالة قلوب الكفرة ، لاتفاق الكل على نبوّة بعضهم. وابتدأ بنوح عليهالسلام لأنه أول الرسل. والمعنى : شرع لكم من الدين ما وصى به جميع الأنبياء من عهد نوح عليهالسلام إلى زمن نبينا عليه الصلاة والسلام. والتعبير بالتوصية فيهم والوحي له ، للإشارة إلى أن شريعته صلىاللهعليهوسلم هي الشريعة الكاملة. ولذا عبر فيه ب (الّذي) التي هي أصل الموصولات. وأضافه إليه بضمير العظمة ، تخصيصا له ولشريعته بالتشريف وعظم الشأن وكمال الاعتناء. وهو السر في تقديمه على ما بعده مع تقدمه عليه زمانا (كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ) أي من إخلاص العبادة لله وإفراده بالألوهية والبراءة مما سواه من الأوثان (اللهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ) وهو من صرف اختياره إلى ما دعي إليه (وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ) أي يوفق للعمل لطاعته واتباع رسله من يقبل إلى طاعته ويتوب من معاصيه. ثم أشار إلى حال أهل الكتاب ، إثر بيان حال المشركين ، بقوله :
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَما تَفَرَّقُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ) (١٤)
(وَما تَفَرَّقُوا) أي في دينهم وصاروا شيعا (إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ) أي الدلائل الصحيحة والبراهين اليقينية على حقية ما لديهم (بَغْياً بَيْنَهُمْ) أي ظلما وتعديا وطلبا للرئاسة (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) وهو تأخير العذاب. إلى يوم القيامة (لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) أي باستئصالهم ، لاستيجاب جناياتهم لذلك (وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ) وهم أهل مكة الذين من الله عليهم بالكتاب العزيز (لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ) أي موقع لأتباعهم في الشك ، لكثرة ما يبثونه من الوساوس الصادّة عن سبيل الله.
القول في تأويل قوله تعالى :
(فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللهُ مِنْ كِتابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ اللهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) (١٥)