عنهما : الرداء الذي يستر من فوق إلى أسفل. ثم قال : ومعنى (يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَ) يرخينها عليهن ويغطين بها وجوههن وأعطافهن. يقال إذا زلّ عن وجه المرأة : أدني ثوبك على وجهك. وذلك أن النساء كن في أول الإسلام على هجّيراهن في الجاهلية متبذلات ، تبرز المرأة في درع وخمار ، لا فصل بين الحرة والأمة. وكان الفتيان وأهل الشطارة يتعرضون للإماء إذا خرجن بالليل ، إلى مقاضي حوائجهن في النخيل والغيطان. وربما تعرضوا للحرة بعلة الأمة. يقولون حسبناها أمة. فأمرن أن يخالفن بزيهن عن زي الإماء ، بلبس الأردية والملاحف وستر الرؤوس والوجوه ليحتشمن ويهبن ، فلا يطمع فيهن طامع ، وذلك قوله (ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ) أي أولى وأجدر بأن يعرفن أنهن حرائر ، فلا يتعرض لهن ولا يلقين ما يكرهن. ثم قال الزمخشريّ : فإن قلت : ما معنى (من) في (من جلابيبهن) قلت : هو للتبعيض. إلا أن معنى التبعيض محتمل وجهين : أحدهما ـ أن يتجلببن ببعض ما لهن من الجلابيب. والمراد أن لا تكون الحرة متبذلة في درع وخمار كالأمة والماهنة ، ولها جلبابان فصاعدا في بيتها. والثاني ـ أن ترخي المرأة بعض جلبابها وفضله على وجهها ، لتتقنع حتى تتميز من الأمة. انتهى.
ومن الآثار في الآية ، ما رواه الطبريّ عن ابن عباس قال : أمر الله نساء المؤمنين إذ خرجن من بيوتهن في حاجة ، أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب ، وبيدين عينا واحدة. وأخرج ابن أبي حاتم عن أم سلمة قالت : لما نزلت هذه الآية (يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَ) خرج نساء الأنصار كأن على رؤوسهن الغربان ، من السكينة. وعليهن أكسية سود يلبسنها. وأخرج عن يونس بن يزيد أنه سأل الزهريّ : هل على الوليدة خمار ، متزوجة أو غير متزوجة؟ قال : عليها الخمار إن كانت متزوجة ، وتنهى عن الجلباب. لأنه يكره لهن أن يتشبهن بالحرائر المحصنات.
تنبيهات :
الأول ـ قال ابن كثير : روي عن سفيان الثوريّ أنه قال : لا بأس بالنظر إلى زينة نساء أهل الذمة. وإنما نهي عن ذلك لخوف الفتنة ، لا لحرمتهنّ. واستدل بقوله تعالى : (وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ). انتهى.
الثاني ـ قال السبكيّ في (طبقاته) : استنبط أحمد بن عيسى ، من فقهاء الشافعية ، من هذه الآية أن ما يفعله العلماء والسادات ، من تغيير لباسهم وعمائمهم ، أمر حسن. وإن لم يفعله السلف. لأن فيه تمييزا لهم حتى يعرفوا ، فيعمل بأقوالهم. انتهى.