سَبِيلِ اللهِ) بتعويق الناس عن الإيمان (وَيَبْغُونَها عِوَجاً) أي يصفونها بالانحراف عن الحق والصواب ، أو يبغون أهلها أن يعوجوا بالردة ، أو يبغون لها اعوجاجا ، أي يطلبون أن يروا فيها عوجا قادحا ، على الحذف والإيصال (أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ) أي : ضلّوا عن طريق الحق ووقفوا دونه بمراحل ، والبعد في الحقيقة للضال نفسه ، وصف به فعله للمبالغة ، بجعل الضلال نفسه ضالا. وفي إيثار الظرف على (أولئك ضالّون ضلالا بعيدا) دلالة على تمكّنهم فيه ، باشتماله عليهم اشتمال المحيط على المحاط ، مبالغة في إثبات وصف الضلال. وقوله تعالى :
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (٤)
(وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ) أي : ليفقهوا عنه ما يدعوهم إليه فلا يكون لهم حجة على الله ولا يقولوا : لم نفهم ما خوطبنا به كما قال : (وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا لَقالُوا لَوْ لا فُصِّلَتْ آياتُهُ) [فصلت : ٤٤]. (فإن قلت) : لم يبعث رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى العرب وحدهم ، وإنما بعث إلى الناس جميعا (قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً) [الأعراف : ١٥٨] ، بل إلى الثقلين وهم على ألسنة مختلفة. فإن لم تكن للعرب حجة ، فلغيرهم الحجة. وإن لم تكن لغيرهم حجة ، فلو نزل بالعجمية لم تكن للعرب حجة أيضا. (قلت) : لا يخلو إما أن ينزل بجميع الألسنة أو بواحد منها ، فلا حاجة إلى نزوله بجميع الألسنة لأن الترجمة تنوب عن ذلك وتكفي التطويل ؛ فبقي أن ينزل بلسان واحد فكان أولى الألسنة لسان قوم الرسول لأنهم أقرب إليه. فإذا فهموا عنه وتبينوه وتنوقل عنهم وانتشر ، قامت التراجم ببيانه وتفهيمه ، كما ترى الحال وتشاهدها من نيابة التراجم في كل أمة من أمم العجم ، مع ما في ذلك من اتفاق أهل البلاد المتباعدة والأقطار المتنازحة والأمم المختلفة والأجيال المتفاوتة على كتاب واحد ، واجتهادهم في تعلّم لفظه وتعلّم معانيه ، وما يتشعّب من ذلك من جلائل الفوائد ، وما يتكاثر في إتعاب النفوس وكدّ القرائح فيه ، من القرب والطاعات المفضية إلى جزيل الثواب ، ولأنه أبعد من التحريف والتبديل وأسلم من التنازع والاختلاف ، ولأنه لو نزل بألسنة الثقلين كلها مع اختلافها وكثرتها ، وكان مستقلا بصفة الإعجاز في كل واحد منها ، وكلم الرسول العربي كل أمة بلسانها ، كما كلم أمته التي هو منها يتلوه عليهم معجزا ـ لكان ذلك