وقد ذكر أن عمرو بن العاص وفد على مسيلمة الكذاب ـ وكان صديقا له في الجاهلية ، وكان عمرو لم يسلم بعد ـ فقال له مسيلمة : ويحك يا عمرو! وماذا أنزل على صاحبكم ـ يعني رسول الله صلىاللهعليهوسلم ـ في هذه المدة؟ فقال : لقد سمعت أصحابه يقرءون سورة عظيمة قصيرة. فقال : وما هي؟ فقال : (وَالْعَصْرِ ، إِنَّ الْإِنْسانَ ...) إلخ [العصر : ١ ـ ٣] ، ففكر مسيلمة ساعة ثم قال : وأن قد أنزل عليّ مثله! فقال : وما هو؟ فقال : يا وبر يا وبر .. إنما أنت أذنان وصدر وسائرك حقر نقر!! كيف ترى يا عمرو؟ فقال له عمرو : والله! إنك لتعلم أني أعلم أنك لكذاب!
وقال عبد الله بن سلام (١) : لما قدم رسول الله صلىاللهعليهوسلم المدينة انجفل الناس ، فكنت فيمن انجفل منه ، فلما رأيته عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب. قال : فكان أول ما سمعته : يقول : أيها الناس! أفشوا السّلام ، وأطعموا الطعام ، وصلوا الأرحام ، وصلّوا بالليل والناس نيام ، تدخلوا الجنة بسلام. قال حسان :
لو لم تكن فيه آيات مبينة |
|
كانت بديهته تأتيك بالخبر |
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (١٨)
(وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ) أي الأوثان التي هي جماد لا تقدر على نفع ولا ضرّ ، أي ومن شأن المعبود القدرة على ذلك. (وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ ، قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ) أي أتخبرونه بكونهم شفعاء عنده ، وهو إنباء بما ليس بمعلوم الله ، وإذا لم يكن معلوما له ـ وهو العالم المحيط بجميع المعلومات ـ لم يكن موجودا ، فكان خبرا ليس له مخبر عنه.
فإن قلت : كيف أنبأوا الله بذلك؟ قلت : هو تهكم بهم ، وبما ادعوه من المحال الذي هو شفاعة الأصنام ، وإعلام بأن الذي أنبأوا به باطل ، فكأنهم يخبرونه بشيء لا يتعلق علمه به ، كما يخبر الرجل بما لا يعلمه.
وقوله : (فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ) تأكيد لنفيه ، لأن ما لم يوجد فيهما فهو
__________________
(١) أخرجه الترمذي في القيامة ، ٣٢ ـ باب حدثنا محمد بن بشار.
وأخرجه ابن ماجة في الإقامة ، ١٧٤ ـ باب ما جاء في قيام الليل ، حديث رقم ١٣٣٤.