ولعل الأليق أن (اسْتِعْجالَهُمْ) مصدر لفعل دل عليه ما قبله والتقدير ، ولو يعجل الله للناس الشر الذي يستعجلون به استعجالهم. وإنما حذف إيجازا ، للعلم به ، ويوافقه قوله تعالى : (وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ) [الإسراء : ١١]. فإنه في معنى ما هنا.
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (١٢)
(وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا) أي لكشفه وإزالته (لِجَنْبِهِ) حال من فاعل (دعا) واللام بمعنى (على) أي على جنبه ، أي مضطجعا (أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ) أي مضى على طريقته الأولى ، (كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ) أي كشفه (مَسَّهُ كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) أي من الإعراض عن الذكر ، واتباع الشهوات. والآية سيقت احتجاجا على المشركين ، بما جبلوا عليه كغيرهم من الالتجاء إليه تعالى عند الشدائد ، علما بأنه لا يكشفها إلا هو ، ليطرحوا عبادة ما لا يضر ولا ينفع ، ويستيقنوا أنه الإله الأحد ، الذي لا يعبد سواه. وفيها نعي عليهم سوء منقلبهم ، إثر كشف كرباتهم ، وتحذير من مثل صنيعهم.
ثم ذكرهم تعالى بعظيم قدرته مما وصل إليهم من نبأ الأقدمين ليتقوه ، بقوله سبحانه.
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ) (١٣)
(وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا) أي بالتكذيب والكفر (وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا) أي فقرر عليهم الحجة بالوجوه الكثيرة. وما كانوا ليؤمنوا بتلك البينات ولا بغيرها ، فجزاهم بالإهلاك المعروف فيهم. (كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ).
القول في تأويل قوله تعالى :
(ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) (١٤)
(ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) الخطاب للذين