أكثر الفقهاء على أن هذه الآية كلام مبتدأ قصد به إيجاب أخذ الزكوات من الأغنياء ، إذ هي حجتهم في إيجاب الزكاة ، ثم نظر فيه بأن حملها على ما ذكروه يوجب ألا تنتظم الآية مع سابقها ولا حقها.
وأقول : لا ريب في ارتباط الآية بما قبلها ، كما أفصحت عنه الرواية السابقة. وخصوص سببها لا يمنع عموم لفظها ، كما هو القاعدة في مثل ذلك. ولذا رد الصدّيق رضي الله عنه على من تأول من بعض العرب هذه الآية. أن دفع الزكاة لا يكون إلا للرسول صلوات الله عليه ، لأنه المأمور بالأخذ ، وبالصلاة على المتصدقين ، فغيره لا يقوم مقامه ـ وأمر بقتالهم ، فوافقته الصحابة ، وقاتلوهم حتى أدوا الزكاة إلى الخليفة ، كما كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم. فاستدل من ذلك على وجوب دفع الزكاة إلى الإمام ، ومثله نائبه ، وهؤلاء المتأولون المرتدون غاب عنهم أن الزكاة إنما أوجبها الله تعالى سدّا لحاجة المعدم ، وتفريجا لكربة الغارم ، وتحريرا لرقاب المستعبدين ، وتيسيرا لأبناء السبيل ، فاستلّ بذلك ضغائن أهل الفاقة ، على من فضلوا عليهم في الرزق ، وأشعر قلوب أولئك محبة هؤلاء ، وساق الرحمة في نفوس هؤلاء على أولئك البائسين ، فالإمام لا خصوصية لذاته فيها ، بل لأنه يجمع ما يرد منها لديه ، فينفقها في سبلها المذكورة.
الخامس ـ استدل بقوله تعالى : (وَصَلِّ عَلَيْهِمْ) على ندب الدعاء للمتصدق. قال الشافعي رحمهالله : السنة للإمام ، إذا أخذ الصدقة أن يدعو للمتصدق ، ويقول : آجرك الله فيما أعطيت وجعله طهورا ، وبارك لك فيما أبقيت ، وقال آخرون : يقول : اللهم! صلّ على فلان ، ويدل عليه ما روي عن عبد الله بن أبي أوفى ، وكان من أصحاب الشجرة قال : كان النبيّ صلىاللهعليهوسلم إذا أتاه قوم بصدقة قال : اللهم! صلّ عليهم ، فأتاه أبي بصدقته فقال : اللهم! صلّ على آل أبي أوفى. أخرجاه في الصحيحين (١).
قال ابن كثير : وفي الحديث الآخر أن امرأة قالت : يا رسول الله! صلّ علي وعلى زوجي ، فقال : صلى الله عليك وعلى زوجك.
أقول : وبهذين الحديثين يردّ على من زعم أن المراد ب (صَلِّ عَلَيْهِمْ) الصلاة على الموتى حكاه السيوطي في (الإكليل).
__________________
(١) أخرجه البخاريّ في : الدعوات ، ٣٢ ـ باب هل يصلّى على غير النبيّ صلىاللهعليهوسلم؟ حديث رقم ٨٠٠. وأخرجه مسلم في : الزكاة ، حديث رقم ١٧٦.