قائمة الکتاب

إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير القاسمي [ ج ٥ ]

419/542
*

كَفَرُوا) يعني كفار مكة حين مكروا به ، فصاروا سبب خروجه ، فخرج ومعه أبو بكر الصديق رضي الله عنه (ثانِيَ اثْنَيْنِ) حال من ضميره صلى‌الله‌عليه‌وسلم. أي أحد اثنين (إِذْ هُما فِي الْغارِ) بدل من (إِذْ أَخْرَجَهُ) بدل البعض ، إذ المراد به زمان متسع. والغار نقب في أعلى ثور ، وهو جبل في الجهة اليمنى من مكة على مسيرة ساعة ، مكثا فيه ثلاثا ، ليرجع الطلب الذين خرجوا في آثارهما ، ثم يسيرا إلى المدينة (إِذْ يَقُولُ) بدل ثان ، أي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (لِصاحِبِهِ) أي أبي بكر (لا تَحْزَنْ) وذلك أن أبا بكر رضي الله عنه أشفق من المشركين أن يعلموا بمكانهما ، فيخلص إلى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم أذى ، وطفق يجزع لذلك ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا) أي بالنصرة والحفظ.

روى الإمام أحمد (١) والشيخان (٢) عن أبي بكر رضي الله عنه قال : نظرت إلى أقدام المشركين ونحن في الغار ، وهم على رؤوسنا ، فقلت : يا رسول الله! لو أن أحدهم نظر إلى قدميه أبصرنا تحت قدميه! فقال : يا أبا بكر! ما ظنك باثنين الله ثالثهما (فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ) أي أمنته التي تسكن عندها القلوب (عَلَيْهِ) أي على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم (وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها) يعني الملائكة ، أنزلهم ليحرسوه في الغار ، أو ليعينوه على العدوّ يوم بدر والأحزاب وحنين ، فتكون الجملة معطوفة على قوله (نَصَرَهُ اللهُ) وقوّى أبو السعود الوجه الثاني بأن الأول يأباه وصفهم بعدم رؤية المخاطبين لهم.

قلت : لا إباءة ، لأن هذا وصف لازم لإمداد القوة الغيبية في كل حال ، وفي الثاني تفكيك في الأسلوب لبعد المتعاطفين ، فافهم. والله أعلم.

(وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى) أي المغلوبة المقهورة ، و (الكلمة) الشرك ، أو دعوة الكفر ، فهو مجاز عن معتقدهم الذي من شأنهم التكلم به على أنها الشرك ، أو هي بمعنى الكلام مطلقا على أنها دعوة الكفر (وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيا) يعني التوحيد ، أو دعوة الإسلام كما تقدم ، أي التي لا تزال عالية إلى يوم القيامة (وَكَلِمَةُ اللهِ) بالرفع على الابتداء و (هِيَ الْعُلْيا) مبتدأ وخبر. أو تكون (هي) فصلا. وقرئ بالنصب أي : وجعل كلمة الله ، والأول أوجه وأبلغ ، لأن الجملة الاسمية

__________________

(١) أخرجه الإمام أحمد في المسند ١ / ٤ والحديث رقم ١١.

(٢) أخرجه البخاري في : التفسير ، ٩ ـ سورة التوبة ، ٩ ـ باب (ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ) ، حديث ١٧١٦.

وأخرجه مسلم في : فضائل الصحابة ، حديث رقم ١.