وقد روى الإمام أحمد (١) وأبو داود أن سعدا سمع ابنا له يدعو وهو يقول : اللهم إني أسألك الجنة ونعيمها وإستبرقها ، ونحوا من هذا ، وأعوذ بك من النار وسلاسلها وأغلالها. فقال : لقد سألت الله خيرا كثيرا ، وتعوّذت بالله من شرّ كثير ، وإني سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : إنه سيكون قوم يعتدون في الدعاء (وفي لفظ : يعتدون في الطهور والدعاء) ، وقرأ هذه الآية : (ادْعُوا رَبَّكُمْ ...) الآية ـ وإن بحسبك أن تقول : اللهم إني أسألك الجنة وما قرّب إليها من قول أو عمل ، وأعوذ بك من النار وما قرّب إليها من قول أو عمل.
وروى الإمام أحمد (٢) وأبو داود أن عبد الله بن مغفّل سمع ابنه يقول : اللهم! إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة إذا دخلتها. فقال : يا بنيّ! سل الله الجنة ، وعذ به من النار ، فإني سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : يكون قوم يعتدون في الدعاء والطهور.
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) (٥٦)
(وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها) قال أبو مسلم : أي لا تفسدوها بعد إصلاح الله إياها ، بأن خلقها على أحسن نظام ، وبعث الرسل ، وبيّن الطريق ، وأبطل الكفر.
وقال أبو حيّان : هذا نهي عن إيقاع الفساد في الأرض ، وإدخال ماهيته في الوجود بجميع أنواعه ، من إفساد النفوس والأموال والأنساب والعقول والأديان. ومعنى (بَعْدَ إِصْلاحِها) : بعد أن أصلح الله خلقها على الوجه الملائم لمنافع الخلق ، ومصالح المكلفين. انتهى.
(وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً) أي : ذوي خوف من وبيل العقاب ، نظرا إلى قصور
__________________
(١) أخرجه في المسند ١ / ١٧٢ ، والحديث رقم ١٤٨٣.
وأخرجه أبو داود في : الوتر ، ٢٣ ـ باب الدعاء ، حديث رقم ١٤٨٠.
(٢) أخرجه في المسند ص ٨٧ ج ٤.
أخرجه أبو داود في : الطهارة ، ٤٥ ـ باب الإسراف في الماء ، حديث رقم ٩٦.