أعمالكم ، وطمع فيما عنده من جزيل الثواب ، نظرا إلى سعة رحمته ، ووفور فضله وإحسانه (إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) أي : أن رحمته مرصدة للمحسنين الذين يتبعون أوامره ، ويتركون زواجره ، كما قال تعالى : (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ ...) [الأعراف : ١٥٦] الآية.
لطائف :
الأولى ـ قال في (اللباب) : إن قلت : قال في أول الآية (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً) وقال هنا (وَادْعُوهُ) ، وهذا هو عطف الشيء على نفسه ، فما فائدة ذلك؟
قلت : الفائدة فيه أن المراد بقوله تعالى : (ادْعُوا رَبَّكُمْ) أي : ليكن الدعاء مقرونا بالتضرع والإخبات ، وقوله (وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً) أن فائدة الدعاء أحد هذين الأمرين ، فكانت الآية الأولى في بيان شرط صحة الدعاء ، والآية الثانية في بيان فائدة الدعاء. وقيل : معناه كونوا جامعين في أنفسكم بين الخوف والرجاء في أعمالكم كلها ، ولا تطمعوا أنكم وفيتم حق الله في العبادة والدعاء ، وإن اجتهدتم فيهما.
الثانية ـ في قوله تعالى : (إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ ...) الآية ـ ترجيح للطمع على الخوف ، لأن المؤمن بين الرجاء والخوف ، ولكنه إذا رأى سعة رحمته وسبقها ، غلب الرجاء عليه. وفيه أيضا تنبيه على ما يتوسل به إلى الإجابة ، وهو الإحسان في القول والعمل. قال مطر الوراق : استنجزوا موعود الله بطاعته ، فإنه قضى أن رحمته قريب من المحسنين.
الثالثة : تذكير (قريب) ، لأن (الرحمة) بمعنى الرحم ، أو لأنه صفة لمحذوف ، أي أمر قريب ، أو على تشبيه ب (فعيل) ، الذي هو بمعنى (مفعول) أو الذي هو مصدر كالنقيض والصهيل ، أو للفرق بين القريب من النسب والقريب من غيره ، فإنه يقال : فلانة قريبة مني لا غير ، وفي المكان وغيره يجوز الوجهان. أو لاكتسابه التذكير من المضاف إليه ، كما أن المضاف يكتسب التأنيث من المضاف إليه. وقد أوصلوا توجيه تذكيره إلى خمسة عشر وجها.
ولما ذكر تعالى أنه خالق السموات والأرض ، وأنه المتصرف الحاكم المدبر المسخر ، وأرشد إلى دعائه لأنه على ما يشاء قدير ـ نبه تعالى على أنه الرزّاق ، وأنه يعيد الموتى يوم القيامة ، فقال سبحانه :