تقدير مجيء الآية المقترحة لهم ، وتنبيه على أنه تعالى لم ينزلها لعلمه بأنها إذا جاءت لا يؤمنون. فعدم الإنزال لعدم الإيمان. و (يشعركم وينصركم) ونحوه ، قرئ بضم خالص وسكون واختلاس.
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ)(١١٠)
(وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ) عطف على (لا يؤمنون) ، داخل في حكم (ما يشعركم) ، مقيد بما قيد به. أي : وما يشعركم أنا نقلب أفئدتهم عن إدراك الحق فلا يفقهونه. وأبصارهم عن اجتلائه فلا يبصرونه ، لكن لا مع توجهها إليه ، واستعدادها لقبوله ، بل لكمال نبوّها عنه ، وإعراضها بالكلية. ولذلك أخر ذكره عن ذكر عدم إيمانهم ، إشعارا بأصالتهم في الكفر ، وحسما لتوهم أن عدم إيمانهم ناشئ من تقليبه تعالى مشاعرهم بطريق الإجبار ـ أفاده أبو السعود ـ.
(كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ) أي : بما جاء من الآيات (أَوَّلَ مَرَّةٍ) أي : قبل سؤالهم الآيات التي اقترحوها ، (وَنَذَرُهُمْ) أي : ندعهم (فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) أي : يترددون متحيرين ، لا نهديهم هداية المؤمنين.
قال أبو السعود (ونذرهم) عطف على (لا يؤمنون) ، داخل في حكم الاستفهام الإنكاريّ ، مقيد بما قيد به ، مبين لما هو المراد بتقليب الأفئدة والأبصار ، ومعرب عن حقيقته بأنه ليس على ظاهره ، بأن يقلب الله سبحانه مشاعرهم عن الحق ، مع توجههم إليه ، واستعدادهم له بطريق الإجبار ، بل بأن يخليهم وشأنهم ، بعد ما علم فساد استعدادهم ، وفرط نفورهم عن الحق ، وعدم تأثير اللطف فيهم أصلا ، ويطبع على قلوبهم حسبما يقتضيه استعدادهم ، كما أشرنا إليه. انتهى.
وفي (اللباب) : في الآية دليل على أن الله تعالى يهدي من يشاء ، ويضل من يشاء ، وأن القلوب والأبصار بيده وفي تصريفه ، فيقيم ما شاء منها ، ويزيغ ما أراد منها. ومنه قوله صلىاللهعليهوسلم (١) : يا مقلب القلوب! ثبت قلبي على دينك. انتهى.
__________________
(١) أخرجه الترمذي في : القدر ، ٧ ـ باب ما جاء أن القلوب بين إصبعي الرحمن ، ونصه : عن أنس قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يكثر أن يقول «يا مقلب القلوب! ثبت قلبي على دينك» فقلت : يا رسول الله! آمنا بك وبما جئت به ، فهل تخاف عليها؟ قال «نعم. إن القلوب بين إصبعين من أصابع الله ، يقلبها كما يشاء».