المصلحة المترتبة على الفعل. وأما تفسيره بالباعث الذي لولاه لم يقدم الفاعل على الفعل ، أو عدم اشتراط ذلك ، فهو من تحقيقات المتكلمين ، لا تعلق له باللغة. وأما عند أهل اللغة فهو حقيقة في ذلك مطلقا ، والفرق بينها وبين لام العاقبة ، أن لام العاقبة ما تدخل على ما يترتب على الفعل وليس مصلحة. وهل يشترط فيها أن يظنه المتكلم غير مترتب أم لا ، حتى يكون في كلامه تعالى من غير حكاية أم لا ، فيه خلاف ـ كذا في (العناية) ـ.
ولما حكى تعالى عن المشركين قدحهم في تصريف الآيات ، أتبعه بالأمر بالثبات على ما هو عليه ، تقوية لقلبه ، وإزالة لما يحزنه ، فقال سبحانه :
القول في تأويل قوله تعالى :
(اتَّبِعْ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ)(١٠٦)
(اتَّبِعْ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) أي : من تبليغ الرسالة ، التي هي الآيات المصرفة ، مبالغة في إلزام الحجة. وقوله (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) اعتراض أكد به إيجاب الاتباع ، أو حال مؤكدة من (رَبِّكَ) ، بمعنى : منفردا في الألوهية. (وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) قال أبو مسلم : أريد بالإعراض الهجران لهم دون الإنذار ، وترك الموعظة. وقال المهايميّ : أي لا تحزن عليهم إذا أصروا على الشرك والعمى مع هذه البصائر. فإنه تعالى أراد بقاءهم على الشرك والعمى ، لاقتضاء استعدادهم ذلك.
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَلَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكُوا وَما جَعَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ) (١٠٧)
(وَلَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكُوا) أي : مع استعدادهم ، ولكن جرت سنته برعاية الاستعدادات ، (وَما جَعَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً) أي : هم وإن كان لهم الاستعداد للإيمان في فطرتهم ، وقد أبطلوه ، فأنت وإن كنت داعيا إلى إصلاح الاستعداد الفطريّ ، وما جعلناك متوليا عليهم ، تحفظ مصالحهم ، حتى تكون مصلحا لاستعدادهم الفطري.
(وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ) تدبر عليهم أمورهم ، أو تغيرهم من استعدادهم إلى آخر ، بل هو مفوض إلى الله تعالى ، يفعل بهم بمقتضى استعدادهم الطبيعيّ لهم من غير تغيير له ، بل هو مفوّض إلى اختيارهم ـ أفاده المهايمي ـ.
تنبيهان :
الأول ـ في قوله تعالى (وَلَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكُوا) دليل على أنه تعالى لا يريد