(لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) أي : الحق فيتبعونه ، والباطل فيجتنبونه.
تنبيهان :
الأول ـ قيل : اللام الثانية حقيقة ، والأولى لام العاقبة والصيرورة. أي : لتصير عاقبة أمرهم ، إلى أن يقولوا : درست ، كهي في قوله تعالى : (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) [القصص : ٨]. وهم لم يلتقطوه للعداوة ، وإنما التقطوه ليصير لهم قرة عين ، ولكن صارت عاقبة أمرهم إلى العداوة. فكذلك الآيات صرّفت للتبيين ، ولم تصرّف ليقول : درست. ولكن حصل هذا القول بتصريف الآيات ، كما حصل التبيين ، فشبه به.
قال الخفاجي : وجوّز أن يكون على الحقيقة أبو البقاء وغيره ، لأن نزول الآيات لإضلال الأشقياء ، وهداية السعداء. قال تعالى : (يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً) [البقرة : ٢٦]. وقال الرازي : حمل اللام على العاقبة بعيد. لأنه مجاز. وحمله على لام الغرض حقيقة ، والحقيقة أقوى من المجاز. وإن المراد منه عين المذكور في قوله تعالى : (يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً) قال ومما يؤكد هذا التأويل قوله : (وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) ، يعني : إنا ما بيناه إلا لهؤلاء. فأما الذين لا يعلمون ، فما بينا هذه الآيات لهم ، وإذ لم يكن بيانا لهم ثبت جعله ضلالا لهم. انتهى.
وقيل : هذه اللام لام الأمر ، ويؤيده أنه قرئ بسكونها ، كأنه قيل : وكذلك نصرف الآيات ، وليقولوا هم ما يقولون ، فإنه لا احتفال بهم ، ولا اعتداء بقولهم. وهو أمر معناه الوعيد والتهديد وعدم الاكتراث بقولهم.
وفيه نظر ، لأن ما بعده يأباه ، إذ اللام في (لنبينه) نص في أنها لام كي. وأما تسكين اللام في القراءة الشاذة ، فلا دليل فيه ، لاحتمال أنها خففت لإجرائها مجرى كبد ، وكونها معترضة. و (لنبينه) متعلق بمقدر معطوف على ما قبله ، وإن صححه لا يخرجه عن كونه خلاف الظاهر ـ كذا في (العناية) ـ.
الثاني ـ قال الشريف قدسسره : أفعاله تعالى يتفرع عليها حكم ومصالح متقنة هي ثمراتها ، وإن لم تكن عللا غائية لها ، حيث لولاها لم يقدم الفاعل عليها. ومن أهل السنة من وافق المعتزلة في التعليل والغرض الراجع منفعته إلى العباد ، وادعى أنه مذهب الفقهاء والمحدثين.
إذا عرفت هذا ، فاعلم أن حقيقة التعليل عند أهل السنة بيان ما يدل على