إيمان الكافر ، لكن لا بمعنى أنه تعالى يمنعه عنه ، مع توجهه إليه ، بل بمعنى أنه تعالى لا يريده منه ، لعدم صرف اختياره الجزئي نحو الإيمان ، وإصراره على الكفر. والزمخشريّ يفسره بمشيئة إكراه وقسر ، لأن عندهم مشيئة الاختيار حاصلة البتة. قال النحرير : وهذه عكازته في دفع مذهب أهل السنة.
الثاني ـ قال القاشاني في تفسير قوله تعالى (وَلَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكُوا) : أي كل ما يقع ، فإنما يقع بمشيئة الله ، ولا شك أن استعداداتهم التي وقعوا بها في الشرك ، وأسباب ذلك ، من تعليم الآباء والعادات وغيرها ، أيضا واقعة بإرادة من الله ، وإلا لم تقع. فإن آمنوا بذلك فبهداية الله ، وإلا فهوّن على نفسك ، فما جعلناك تحفظهم عن الضلال ، وما أنت بموكل عليهم بالإيمان. ولا ينافي هذا ما قال في تعييرهم فيما بعد بقوله : (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا) لأنهم قالوا ذلك عنادا ودفعا للإيمان بذلك التعلل ، لا اعتقادا. فقولهم ذلك ، وإن كان صدقا في نفس الأمر ، لكنهم كانوا به كاذبين ، مكذبين للرسول ، إذ لو صدقوا لعلموا أن توحيد المؤمنين أيضا بإرادة الله ، وكذا كل دين ، فلم يعادوا أحد. ولو علموا أن كل شيء لا يقع إلا بإرادة الله لما بقوا مشركين ، بل كانوا موحدين. لكنهم قالوه لغرض التكذيب والعناد ، وإثبات أنه لا يمكنهم الانتهاء عن شركهم ، فلذلك عيّرهم به ، لا لأنه ليس كذلك في نفس الأمر. فإنهم لم يطلعوا على مشيئة الله ، وأنه كما أراد شركهم في الزمان السابق ، لم يرد إيمانهم الآن ، إذ ليس كل منهم مطبوع القلب ، بدليل إيمان من آمن منهم ، فلم لا يجوز أن يكون بعضهم كانوا مستعدين للإيمان والتوحيد ، واحتجوا بالعادة ، وما وجدوا من آبائهم فأشركوا ، ثم إذا سمعوا الإنذار ، وشاهدوا آيات التوحيد ، اشتاقوا إلى الحق ، وارتفع حجابهم فوحّدوا. فلذلك وبخهم على قولهم ، وطلب منهم الحجة على أن الله أرادهم بذلك دائما ، وأنذرهم بوعيد من كان قبلهم ، لعل من كان فيه أدنى استعداد ، إذا انقطع عن حجته ، وسمع وعيد من قبله من المنكرين ، ارتفع حجابه ، ولان قلبه فآمن ، ويكون ذلك توفيقا له ، ولطفا في شأنه ، فإن عالم الحكمة يبتني على الأسباب. وأما من كان من الأشقياء المردودين ، المختوم على قلوبهم ، فلا يرفع لذلك رأسا ، ولا يلقي إليه سمعا. انتهى.
وليكن هذا على بال منك ، فالمقام دقيق جدّا ، وسيأتي بيانه في الآية الآتية إن شاء الله تعالى.