وموجد ، وما ذاك إلا الله سبحانه وتعالى. فهؤلاء المجوس يلزمهم القطع بأن خالق إبليس هو الله تعالى. ولما كان إبليس أصلا لجميع الشرور والآفات والمفاسد والقبائح ، والمجوس سلّموا أن خالقه هو الله تعالى ، فحينئذ قد سلموا أن إله العالم هو الخالق لما هو أصل الشرور والقبائح والمفاسد. وإذا كان كذلك امتنع عليهم أن يقولا : لا بد من إلهين ، فسقط قولهم. انتهى ملخصا.
وقوله تعالى : (وَخَرَقُوا لَهُ) أي : اختلقوا وافتروا له (بَنِينَ) كقول أهل الكتابين في المسيح وعزير (وَبَناتٍ) كقول بعض العرب في الملائكة.
قال الزمخشري : يقال خلق الإفك وخرقه واختلقه بمعنى. وسئل الحسن عنه فقال : كلمة عربية كانت العرب تقولها. كان الرجل إذا كذب كذبة في نادي القوم يقول له بعضهم : قد خرقها والله! ويجوز أن يكون من (خرق الثّوب) إذا شقه : أي اشتقوا له بنين وبنات. وقرئ (وَخَرَقُوا) بالتشديد للتكثير لقوله (بنين وبنات).
(بِغَيْرِ عِلْمٍ) أي : من غير أن يعلموا حقيقة ما قالوه من خطأ أو صواب ، ولكن رميا بقول عن عمى وجهالة ، من غير فكر وروية ، أو بغير علم بمرتبة ما قالوا ، وأنه من الشناعة والبطلان بحيث لا يقادر قدره. وفيه ذم لهم بأنهم يقولون بمجرد الرأي والهوى. وفيه إشارة إلى أنه لا يجوز أن ينسب إليه تعالى إلا ما جزم به ، وقام عليه الدليل.
ثم نزه ذاته العلية عما نسبوه إليه بقوله : (سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَصِفُونَ) من أوصاف الحوادث الخسيسة من المشاركة والتوليد.
ثم استدل تعالى على بطلان ما اجترءوا عليه بوجوه أربعة. بدأ منها بقوله
القول في تأويل قوله تعالى :
(بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)(١٠١)
(بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي : مبدعهما بلا مثال سبق. وقيل : بمعنى عديم النظير فيهما. قال أبو السعود : والأول هو الوجه. والمعنى : أنه تعالى مبدع لقطري العالم العلويّ والسفليّ ، بلا مادة ، فاعل على الإطلاق ، منزه عن الانفعال بالمرة. والوالد عنصر الولد منفعل بانتقال مادته عنه ، فكيف يمكن أن يكون له ولد؟
(أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ) أي : من أين وكيف يكون له ولد ـ كما