زعموا ـ والحال أنه ليس له على زعمهم أيضا صاحبة يكون الولد منها؟ ويستحيل ضرورة وجود الولد بلا والدة ، وإن أمكن وجوده بلا والد. وأيضا ، الولد لا يحصل إلا بين متجانسين ، ولا مجانس له تعالى.
وقوله تعالى : (أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ) جملة مستأنفة ، لتقرير تنزهه عنه ، والحالية بعدها مؤكدة للاستحالة المذكورة.
وقوله تعالى : (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ) جملة أخرى مستأنفة ، لتحقيق ما ذكر من الاستحالة. أو حال ثانية مقررة لها. أي : أنى يكون له ولد والحال أنه خلق كل شيء انتظمه التكوين والإيجاد من الموجودات التي من جملتها ما سموه ولدا له تعالى : فكيف يتصور أن يكون المخلوق ولدا لخالقه؟ ـ أفاده أبو السعود ـ.
(وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) أي : مبالغ في العلم أزلا وأبدا. جملة مستأنفة أيضا ، مقررة لمضمون ما قبلها من الدلائل القاطعة ، ببطلان مقالتهم الشنعاء. أي : أنه سبحانه لذاته عالم بكل المعلومات ، فلو كان له ولد ، فلا بد أن يتصف بصفاته ، ومنها عموم العلم ، وهو لغيره تعالى منفيّ بالإجماع.
القول في تأويل قوله تعالى :
(ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ)(١٠٢)
(ذلِكُمُ) أي : الموصوف بما سبق ، البعيد رتبته عن مراتب من يشارك أو ينسب إليه الولادة ، إذ هو (اللهُ رَبُّكُمْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ) أي : بالإيمان به وحده ، فإن من جمع تلك الصفات استحق العبادة وحده. (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) أي : رقيب وحفيظ ، يدبر كل ما سواه ويرزقهم ويكلؤهم بالليل والنهار.
القول في تأويل قوله تعالى :
(لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)(١٠٣)
قوله تعالى : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) جملة مستأنفة ، إما مؤكدة لقوله تعالى : (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) ذكرت للتخويف بأنه رقيب من حيث لا يرى فليحذر ، وإما هي مؤكدة لما تقرر قبل من تنزهه وتعاليه عن إفكهم أعظم تأكيد ، ببيان أنه لا تراه الأبصار المعهودة وهي أبصار أهل الدنيا ، لجلاله وكبريائه وعظمته ،