وعلمه وحكمته ، إثر تقرير شأن توحيده تعالى ، وذلك للتنبيه على أن المقصود الأعظم هو معرفته سبحانه وتعالى بجميع صفاته وأفعاله ، وأنه مبدع الأشياء وخالقها. ومن كان كذلك كان هو المستحق للعبادة ، لا هذه الأصنام التي كانوا يعبدونها ، ولتعريف خطئهم في الإشراك الذي كانوا عليه. والمعنى : أن الذي يستحق العبادة دون غيره ، هو الله الذي فلق الحب عن النبات ، والنواة عن النخلة.
وفي معنى (فالق) قولان :
أحدهما ـ أنه بمعنى خالق. وهو قول ابن عباس في رواية العوفيّ عنه. وبه قال الضحاك ومقاتل. قال الواحديّ : ذهبوا ب (فالق) مذهب (فاطر). وأنكر الطبري هذا ، وقال : لا يعرف في كلام العرب (فلق الله الشيء) ، بمعنى خلق. ونقل الأزهريّ عن الزجاج جوازه. وكذا المجد في القاموس.
قال الرازي : (الفطر) هو الشق ، وكذلك (الفلق). فالشيء قبل أن دخل في الوجود كان معدوما محضا ، ونفيا صرفا. والعقل يتصور من العدم ظلمة متصلة لا انفراج فيها ، ولا انفلاق ، ولا انشقاق. فإذا أخرجه المبدع الموجود من العدم إلى الوجود ، فكأنه بحسب التخيل والتوهم شق ذلك العدم وفلقه. وأخرج الحدث من ذلك الشق. فهذا التأويل لا يبعد حمل الفالق على الموجد والمبدع.
والقول الثاني ـ وهو قول الأكثرين : أن الفلق هو الشق. وفي معناه وجهان :
أحدهما ـ مروي عن ابن عباس قال : فلق الحبة عن السنبلة ، والنواة عن النخلة. وهو قول الحسن والسدّي وابن زيد. قال الزجاج : يشق الحبة اليابسة ، والنواة اليابسة ، فيخرج منها ورقا أخضر.
الوجه الثاني ـ وهو قول مجاهد : أنه الشقاق اللذان في الحب والنوى.
وضعف بأنه لا دلالة فيه على كمال القدرة.
و (الحب) : ما ليس له نوى ، كالحنطة والشعير والأرز.
و (النوى) : جمع نواة ، وهو الموجود في داخل الثمرة ، مثل نوى التمر والخوخ وغيرهما.
قال الإمام الرازي : إذا عرفت ذلك ، فنقول : إنه إذا وقعت الحبة أو النواة في الأرض الرطبة ، ثم مرّ به قدر من المدة ، أظهر الله تعالى في تلك الحبة والنواة من أعلاها شقّا ، ومن أسفلها شقّا آخر ، فالأول يخرج منه الشجرة الصاعدة إلى الهواء