والثاني يخرج منه الشجرة الهابطة في الأرض ، المسماة بعروق الشجرة. وتصير تلك الحبة والنواة سببا لاتصال الشجرة الصاعدة في الهواء بالشجرة الهابطة في الأرض. ثم إن هاهنا.
عجائب :
فإحداها ـ أن طبيعة تلك الشجرة ، إن كانت تقتضي الهويّ في عمق الأرض ، فكيف تولدت منها الشجرة الصاعدة في الهواء؟ وإن كانت تقتضي الصعود في الهواء ، فكيف تولدت منها الشجرة الهابطة في الأرض؟ فلما تولد منها الشجرتان ، مع أن الحس والعقل يشهد بكون طبيعة إحدى الشجرتين مضادة لطبيعة الشجرة الأخرى ـ علمنا أن ذلك ليس بمقتضى الطبع والخاصية ، بل بمقتضى الإيجاد والإبداع والتكوين والاختراع.
وثانيها ـ أن باطن الأرض جرم كثيف صلب ، لا تنفذ المسلّة القوية فيه ، ولا يغوص السكين الحادّ القوي فيه. ثم إنا نشاهد أطراف تلك العروق في غاية الدقة واللطافة ، بحيث لو دلكها الإنسان بإصبعه بأدنى قوة ، لصارت كالماء ، ثم إنها مع غاية اللطافة تقوى على النفوذ في تلك الأرض الصلبة ، والغوص في بواطن تلك الأجرام الكثيفة. فحصول هذه القوى الشديدة ، لهذه الأجرام الضعيفة التي هي في غاية اللطافة ، لا بد وأن يكون بتقدير العزيز الحكيم.
وثالثها ـ أنه يتولد من تلك النواة شجرة ، ويحصل في تلك الشجرة طبائع مختلفة ، فإنّ قشر الخشبة له طبيعة مخصوصة ، وفي داخل ذلك القشر جرم الخشبة ، وفي تلك الخشبة جسم رخو ضعيف يشبه ، العهن المنفوش. ثم إنه يتولد من ساق الشجرة أغصانها ، ويتولد على الأغصان الأوراق أولا ، ثم الأزهار والأنوار ثانيا ، ثم الفاكهة ثالثا. ثم قد يحصل للفاكهة أربعة أنواع من القشر : مثل الجوز ، فإن قشره الأعلى هو ذلك الأخضر ، وتحته ذلك القشر الذي يشبه الخشب ، وتحته ذلك القشر الذي هو كالغشاء الرقيق المحيط باللب ، وتحته ذلك اللب. وذلك اللب مشتمل على جرم كثيف ، وهو أيضا كالقشر ، وعلى جرم لطيف ، وهو الدهن. وهو المقصود الأصليّ. فتولد هذه الأجسام المختلفة في طبائعها وصفاتها وألوانها وأشكالها وطعومها ، مع تساوي تأثيرات الطبائع والنجوم والفصول الأربعة ، والطبائع الأربعة ـ يدل على أنها إنما حدثت بتدبير الحكيم الرحيم المختار القادر ، لا بتدبير الطبائع والعناصر.