وللبقاعي رحمهالله وجه آخر في الآية. قال : ويمكن أن تكون مكية ، ويكون قولهم هذا حين أرسلت إليهم قريش تسألهم عنه صلىاللهعليهوسلم في أمر رسالته ، فاحتج عليهم بإرسال موسى عليهالسلام ، وإنزال التوراة عليه. انتهى. وهو قريب وجيه جدّا.
وبالجملة ، فالآية الكريمة متصادقة مع الأوجه المذكورة ، وتتنزل في التأويل ، على ما بينا في كل تنزيلا لا شائبة معه لإشكال مّا. وقد استصعب الرازي تأويلها ، وأخذ يحاول أسئلة هي على طرف الثّمام ، بعد النظر فيما بينّا ، فالحمد لله الذي هدانا لهذا.
لطائف :
الأولى ـ قال أبو السعود رحمهالله : ليس المراد بالآية مجرد إلزامهم بالاعتراف بإنزال التوراة فقط ، بل بإنزال القرآن أيضا ، فإن الاعتراف بإنزالها مستلزم للاعتراف بإنزاله قطعا ، لما فيها من الشواهد الناطقة به.
الثانية ـ قال أيضا في قوله تعالى : (تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ) أي : تضعونه في قراطيس مقطعة ، وورقات مفرقة ، بحذف الجار ، بناء على تشبيه القراطيس بالظرف المبهم ، أو تجعلونه نفس القراطيس المقطعة. وفيه زيادة توبيخ لهم بسوء صنيعهم ، كأنهم أخرجوه من جنس الكتاب ، ونزلوه منزلة القراطيس الخالية عن الكتابة.
الثالثة ـ في قوله تعالى : (تُبْدُونَها وَتُخْفُونَ كَثِيراً) دلالة على أنه لا يجوز كتم العلم الدينيّ عمن يهتدي به. قاله بعض الزيدية.
ولما أبطل تعالى كلمتهم الشنعاء بتقرير إنزال التوراة ، بين تنزيل ما يصدقها بقوله :
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ)(٩٢)
(وَهذا) يعني : القرآن ، (كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ) أي : كثير المنافع والفوائد ، لاشتماله على منافع الدارين ، وعلوم الأولين والآخرين ، وما لا يتناهى من الفوائد.
قال الرازيّ : العلوم إما نظرية ، وإما عملية. فالأولى أشرفها. وأكملها معرفة ذات الله وصفاته وأفعاله وأحكامه وأسمائه. ولا ترى هذه العلوم أكمل ولا أشرف مما