تجده في هذا الكتاب. وأما الثانية : فالمطلوب إما أعمال الجوارح ، وإما أعمال القلوب ، وهو المسمى بطهارة الأخلاق ، وتزكية النفس. ولا تجد هذين العلمين مثل ما تجده في هذا الكتاب. ثم جرت سنة الله تعالى بأن الباحث عنه ، والمتمسك به ، يحصل له عز الدنيا ، وسعادة الآخرة. انتهى. قال الخفاجيّ : وقد شوهد ذلك في كل عصر.
(مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) ، أي : من التوراة أو من الكتب التي أنزلت قبله ، في إثبات التوحيد ، والأمر به ، ونفي الشرك ، والنهي عنه. وفي سائر أصول الشرائع التي لا تنسخ.
(وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى) يعني : مكة. سميت بذلك لأنها مكان أول بيت وضع للناس ، ولأنها قبلة أهل القرى كلها ومحجهم ، ولأنها أعظم القرى شأنا ، وغيرها كالتبع لها ، كما يتبع الفرع الأصل. وفي ذكرها بهذا الاسم ، المنبئ عما ذكر ، إشعار بأن إنذار أهلها مستتبع لإنذار أهل الأرض كافة. (وَمَنْ حَوْلَها) من أطراف الأرض ، شرقا وغربا. كما قال في الآية الأخرى : (لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ) [الأنعام : ١٩]. وقوله : (قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً) [الأعراف : ١٥٨]. وقال : (تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً) [الفرقان : ١]. وقال تعالى : (وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ ، فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا ، وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ ، وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ) [آل عمران : ٢٠].
وثبت في الصحيحين (١) أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : أعطيت خمسا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي ، وذكر منهن : وكان النبيّ يبعث إلى قومه خاصة ، وبعثت إلى الناس عامة.
(وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ) فإن من صدق بالآخرة خاف العاقبة ، ولا يزال الخوف يحمله على النظر والتدبر ، حتى يؤمن بالنبيّ
__________________
(١) أخرجه البخاري في : التيمم ، ١ ـ باب قوله تعالى : (فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) ، حديث ٢٣١ ونصه : عن جابر أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال «أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي : نصرت بالرعب مسيرة شهر ، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا. فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصلّ. وأحلت لي الغنائم ولم تحلّ لأحد قبلي. وأعطيت الشفاعة. وكان النبيّ يبعث إلى قومه خاصّة ، وبعثت للناس عامة». وأخرجه مسلم في : المساجد ومواضع الصلاة ، حديث رقم ٣.