قال الزمخشري : قول إبراهيم ذلك. هو قول من ينصف خصمه ، مع علمه بأنه مبطل. يحكي قوله كما هو غير متعصب لمذهبه ، لأن ذلك أدعى إلى الحق ، وأنجى من الشغب. ثم يكرّ عليه بعد حكايته ، فيبطله بالحجة.
(فَلَمَّا أَفَلَ) أي : غاب ، (قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ) أي : لا أحب عبادة من كان كذلك ، فإن الأفول دناءة تنافي الإلهية ، بل تمنع من الميل إلى صاحبها ، فضلا عن اتخاذه إلها أو معبودا ، فضلا عما يفتقر إليه.
القول في تأويل قوله تعالى :
(فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ)(٧٧)
(فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً) أي : طالعا منتشر الضوء (قالَ هذا رَبِّي) على الأسلوب المتقدم (فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ) فإن ما رأيته لا يليق بالإلهية لدناءته بمحوه.
قال الزمحشري : وفيه تنبيه لقومه على أن من اتخذ القمر إلها ، وهو نظير الكواكب في الأفول ، فهو ضال. وأن الهداية إلى الحق بتوفيق الله تعالى ولطفه.
وفي (الانتصاف) : التعريض بضلالهم ثانيا أصرح وأقوى من قوله أولا (لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ) وإنما ترقى إلى ذلك ، لأن الخصوم قد أقامت عليه ، بالاستدلال الأول ، حجة فأنسوا بالقدح في معتقدهم ، ولو قيل هذا في الأول فلعلهم كانوا ينفرون ، ولا يصغون إلى الاستدلال. فما عرّض صلوات الله عليه بأنهم في ضلالة ، إلا بعد أن وثق بإصغائهم إلى تمام المقصود ، واستماعهم إلى آخره. والدليل على ذلك أنه ترقى في النوبة الثالثة إلى التصريح بالبراءة منهم ، والتقريع بأنهم على شرك حين تمّ قيام الحجة ، وتبلّج الحقّ ، وبلغ من الظهور غاية المقصود. كما قال تعالى :
القول في تأويل قوله تعالى :
(فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي هذا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قالَ يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ)(٧٨)
(فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي) على نحو ما تقدم ، وتذكير اسم الإشارة لتذكير الخبر ، أو لأنه أراد : هذا الطالع ، أو الذي أراه ، أو لصيانة الرب عن شبهة