قال محمد بن إسحاق : فحدّثني أبي ، إسحاق بن يسار ، عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت قال : لما حاربت بنو قينقاع رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، تشبث بأمرهم عبد الله بن أبي ، وقام دونهم. ومشى عبادة بن الصامت إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ـ وكان أحد بني عوف من الخزرج ، لهم من حلفه مثل الذي لهم من عبد الله بن أبيّ ـ فخلعهم إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وتبرّأ إلى الله عزوجل ، وإلى رسوله من حلفهم وقال : يا رسول الله! أتولّى الله ورسوله والمؤمنين ، وأبرأ من حلف هؤلاء الكفار وولايتهم ... ففيه وفي عبد الله بن أبيّ نزلت الآيات : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ) ـ إلى قوله (فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ).
وروى الإمام أحمد (١) عن أسامة بن زيد قال : دخلت مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم على عبد الله بن أبيّ نعوده ، فقال له النبيّ صلىاللهعليهوسلم : قد كنت أنهاك عن حب يهود. فقال عبد الله : فقد أبغضهم أسعد بن زرارة فمات. وكذا رواه أبو داود.
الثاني : قال بعض مفسري الزيدية : ثمرات الآية أحكام.
(الأول) ـ أنه لا يجوز موالاة اليهود ولا النصارى. قال الحاكم : والمراد موالاته في الدين. وجعل الزمخشريّ الموالاة في النصرة والمصافاة. وبيّن وجوب المجانبة للمخالف في الدين ، كما تقدم. والبعد والمجانبة استحباب ، إذ قد جازت المخالطة في مواضع بالإجماع ، وذلك حيث لا يوهم محبتهم ولا بأنهم على حق.
(الحكم الثاني) ـ أن للإمام أن يسقط الحدّ إذا خشي ، أو يؤخره. وقد ذكر هذا ، الأمير يحيى والراضي بالله والحاكم ، وهذا مأخوذ من سبب النزول ، وترك النبيّ صلىاللهعليهوسلم بني قينقاع لعبد الله بن أبيّ.
(الحكم الثالث) ـ صحة الموالاة منهم لبعضهم بعضا. وقد قال عليّ بن موسى القمّيّ : الآية تدل على أنهم ملة واحدة : فتصح المناكحة بينهم والموارثة. والمذهب خلاف ذلك. والدلالة على ما ذكر محتملة. لأنها تحتمل أن المراد : بعضهم أولياء بعض في معاداة المسلمين ؛ أو يعني : بعض اليهود وليّا لبعض اليهود.
(الحكم الرابع) ـ أن من تولاهم فهو منهم. ولا خلاف في أنه صار عاصيا لله كما عصوه. ولكن أين تبلغ حد معصيته؟ وقد اختلف في ذلك ، فقيل : معنى قوله (فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) أي : حكمه حكمهم في الكفر ، وهذا حديث يقرّهم على دينهم.
__________________
(١) أخرجه في المسند ٥ / ٢٠١.