روى ابن جرير (١) عن عطية بن سعد قال : جاء عبادة بن الصامت من بني الحارث بن الخزرج إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : يا رسول الله! إنّ لي موالي من يهود كثير عددهم. وإني أبرأ إلى الله ورسوله من ولاية يهود. وأتولّى الله ورسوله. فقال عبد الله بن أبيّ : إني رجل أخاف الدوائر. لا أبرأ من ولاية مواليّ. فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم لعبد الله بن أبيّ : يا أبا الحباب! ما بخلت به من ولاية يهود على عبادة بن الصامت فهو إليك دونه. قال قد قبلت فأنزل الله عزوجل : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) ... الآيتين.
ثم روى ابن جرير (٢) عن الزهريّ قال : لما انهزم أهل بدر ، قال المسلمون لأوليائهم من يهود : آمنوا قبل أن يصيبكم الله بيوم مثل يوم بدر .. فقال مالك بن صيف : غرّكم إن أصبتم رهطا من قريش لا علم لهم بالقتال! أما لو أمررنا العزيمة أن نستجمع عليكم. لم يكن لكم يد أن تقاتلونا. فقال عبادة بن الصامت : يا رسول الله! إنّ أوليائي من اليهود كانت شديدة أنفسهم ، كثيرا سلاحهم ، شديدة شوكتهم ، وإني أبرأ إلى الله وإلى رسوله من ولايتهم ، ولا مولى لي إلّا الله ورسوله .. فقال عبد الله بن أبيّ : لكني لا أبرأ من ولاية يهود. إني رجل لا بدّ لي منهم. فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم يا أبا الحباب! أرأيت الذي نفست به من ولاية يهود على عبادة بن الصامت ، فهو لك دونه. فقال إذا أقبل! قال : فأنزل الله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ) ... ـ إلى قوله ـ (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ).
وقال محمد بن إسحاق : فكانت أول قبيلة من اليهود نقضت ما بينها وبين رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتى نزلوا على حكمه. فقام إليه عبد الله بن أبيّ ، ابن سلول حين أمكنه الله منهم ، فقال : يا محمد! أحسن في مواليّ ـ وكانوا حلفاء الخزرج ـ قال : فأبطأ عليه رسول الله صلىاللهعليهوسلم. فقال : يا محمد! أحسن في مواليّ. قال : فأعرض عنه. فأدخل يده في جيب درع رسول الله صلىاللهعليهوسلم. فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : أرسلني. وغضب رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتى رأوا لوجهه ظللا ، ثم قال : ويحك! أرسلني. قال : لا ، والله! لا أرسلك حتى تحسن في مواليّ. أربعمائة حاسر وثلاثمائة دارع ، قد منعوني من الأحمر والأسود ، تحصدهم في غداة واحدة؟ إني امرؤ أخشى الدوائر. قال : فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : هم لك.
__________________
(١) الأثر رقم ١٢١٥٦ من التفسير.
(٢) الأثر رقم ١٢١٥٧ من التفسير.