وبالرفع على أنه كلام مبتدأ. أى : ويقول الذين آمنوا في ذلك الوقت. وقرئ (يقول) بغير (واو) وهي مصاحف مكة والمدينة والشام كذلك. على أنه جواب قائل يقول : فماذا يقول المؤمنون حينئذ؟ فقيل : يقول الذين آمنوا : أهؤلاء الذين أقسموا؟ (فإن قلت) : لمن يقولون هذا القول؟ (قلت) : إمّا أن يقوله بعضهم لبعض تعجّبا من حالهم ، واغتباطا بما منّ الله عليهم من التوفيق في الإخلاص (أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ) أي : حلفوا لكم بأغلاظ الأيمان (إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ) أي : إنهم أولياؤكم ومعاضدوكم على الكفار وإمّا أن يقولوه لليهود ، لأنهم حلفوا لهم بالمعاضدة والنصرة. كما حكى الله عنهم : (وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ) [الحشر : ١١] أي : فقد تباعدوا عنكم. فيظهر أنهم لم يكونوا مع المؤمنين ولا مع اليهود (حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خاسِرِينَ) أي : في الدنيا ، إذ ظهر نفاقهم عند الكل. وفي الآخرة ، إذ لم يبق لهم ثواب.
قال الزمخشريّ : هذه الجملة من قول المؤمنين. أي : بطلت أعمالهم التي كانوا يتكلفونها في رأي أعين الناس ، وفيه معنى التعجب ، كأنه قيل : ما أحبط أعمالهم فما أخسرهم! أو من قول الله عزوجل ، شهادة لهم بحبوط الأعمال ، وتعجيبا من سوء حالهم. انتهى.
وفيه من الاستهزاء بالمنافقين والتقريع للمخاطبين ، ما لا يخفى.
تنبيهات :
الأول ـ : في سبب نزول هذه الآيات الكريمات.
روي عن السدّي (١) ، أنها نزلت في رجلين قال أحدهما لصاحبه بعد وقعة أحد : أمّا أنا فإني ذاهب إلى ذلك اليهوديّ فأواليه وأتهوّد معه لعله ينفعني إذا وقع أمر أو حدث حادث. وقال الآخر : وأما أنا فإني ذاهب إلى فلان النصرانيّ بالشام فأواليه وأتنصرّ معه. فأنزل الله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى) ... الآيات.
وقال عكرمة : نزلت في أبي لبابة بن عبد المنذر ، حين بعثه رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى بني قريظة ، فسألوه : ماذا هو صانع بنا؟ فأشار بيده إلى حلقه ، أبي : إنه الذبح. رواه ابن جرير (٢). وقيل : نزلت في عبد الله بن أبيّ ، ابن سلول.
__________________
(١) الأثر رقم ١٢١٥٩ من تفسير ابن جرير.
(٢) الأثر رقم ١٢١٦٠ من التفسير.