والسؤال به. كما يقسمون بغيره من الأنبياء والصالحين. ومن يعتقدون فيه الصلاح. وحينئذ ، فلفظ التوسل به يراد به معنيان صحيحان باتفاق المسلمين. ويراد به معنى ثالث لم ترد به سنة. فأما المعنيان الأولان الصحيحان باتفاق العلماء ، فأحدهما هو أصل الإيمان والإسلام ، وهو التوسل بالإيمان به وبطاعته. والثاني دعاؤه وشفاعته كما تقدم. فهذان جائزان بإجماع المسلمين. ومن هذا قول عمر بن الخطاب (١) : اللهمّ! إنّا كنا إذا أجدبنا توسّلنا إليك بنبينا فتسقينا ، وإنّا نتوسّل إليك بعمّ نبينا فاسقنا. أى بدعائه وشفاعته. وقوله تعالى : (وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ) أي : القربة إليه بطاعته. وطاعة رسوله طاعته ؛ قال تعالى : (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ) [النساء : ٨١] ، فهذا التوسل الأول هو أصل الدين ، وهذا لا ينكره أحد من المسلمين. وأمّا التوسّل بدعائه وشفاعته ـ كما قال عمر ـ فإنه توسّل بدعائه لا بذاته ، ولهذا عدلوا عن التوسّل به إلى التوسل بعمه العباس ؛ ولو كان التوسل هو بذاته لكان هذا أولى من التوسل بالعباس. فلما عدلوا عن التوسل به إلى التوسل بالعباس ، علم أن ما يفعل في حياته قد تعذر بموته. بخلاف التوسل الذي هو الإيمان به والطاعة له ، فإنه مشروع دائما. فلفظ التوسل يراد به ثلاث معان : (أحدهما) التوسّل بطاعته. فهذا فرض لا يتمّ الإيمان إلّا به. و (الثاني) التوسّل بدعائه وشفاعته وهذا كان في حياته ، ويكون يوم القيامة يتوسلون بشفاعته. و (الثالث) التوسّل به. بمعنى الإقسام على الله بذاته والسؤال بذاته. فهذا هو الذي لم تكن الصحابة يفعلونه في الاستسقاء ونحوه ، لا في حياته ولا بعد مماته ، لا عند قبره ولا غير قبره ، ولا يعرف هذا في شيء من الأدعية المشهورة بينهم. وإنما ينقل شيء من ذلك في أحاديث ضعيفة مرفوعة وموقوفة. أو عن من ليس قوله حجة ، وهذا هو الذي قال أبو حنيفة وأصحابه ، إنه لا يجوز. ونهوا عنه حيث قالوا : لا يسأل بمخلوق ، ولا يقول أحد : أسألك بحق أنبيائك. قال أبو الحسين القدوري في كتابه الكبير في الفقه المسمى ب (شرح الكرخي) في باب الكراهة : وقد ذكر هذا غير واحد من أصحاب أبي حنيفة. قال بشر بن الوليد : حدّثنا أبو يوسف قال : قال أبو حنيفة : لا ينبغي لأحد أن يدعو إلّا به. وأكره أن يقول : بمعاقد العز من عرشك ، أو بحق خلقك. وهو قول أبي يوسف. قال أبو يوسف : بمعقد العز من عرشه هو الله. فلا أكره هذا. وأكره أن يقول : بحق فلان ، أو بحق أنبيائك ورسلك ، وبحق البيت الحرام والمشعر الحرام.
__________________
(١) أخرجه البخاريّ في : الاستسقاء ، ٣ ـ باب سؤال الناس الإمام الاستسقاء إذا قحطوا ، حديث ٥٧٢.