ومعناه. فإن كثيرا من اضطراب الناس في هذا الباب هو بسبب ما وقع من الإجمال والاشتراك في الألفاظ ومعانيها ، حتى تجد أكثرهم لا يعرف في هذا الباب فصل الخطاب. فلفظ الوسيلة مذكور في القرآن في قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ) وفي قوله تعالى : (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً) [الإسراء : ٥٦ ـ ٥٧]. فالوسيلة التي أمر الله أن تبتغي إليه ، وأخبر عن ملائكته وأنبيائه أنهم يبتغونها إليه ، هي ما يتقرب به إليه من الواجبات والمستحبات ، فهذه الوسيلة التي أمر الله المؤمنين بابتغائها تتناول كل واجب ومستحب ، وما ليس بواجب ولا مستحب لا يدخل في ذلك ، سواء كان محرما أو مكروها أو مباحا ، فالواجب والمستحب هو ما شرعه الرسول فأمر به أمر إيجاب واستحباب. وأصل ذلك الإيمان بما جاء به الرسول. فجماع الوسيلة التي أمر الله الخلق بابتغائها ، هو التوسل إليه باتباع ما جاء به الرسول ، لا وسيلة لأحد إلى الله إلّا ذلك.
و (الثاني) لفظ الوسيلة في الأحاديث الصحيحة كقوله صلىاللهعليهوسلم (١) : «سلوا الله لي الوسيلة فإنها درجة في الجنة لا تنبغي إلّا لعبد من عباد الله. وأرجوا أن أكون أنا ذلك العبد. فمن سأل الله لي الوسيلة حلت عليه شفاعتي يوم القيامة». وقوله : «من قال حين يسمع النداء (٢) : اللهم! رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة! آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته ، حلت له شفاعتي يوم القيامة». فهذه الوسيلة للنبي صلىاللهعليهوسلم خاصة. قد أمرنا أن نسأل الله له هذه الوسيلة. وأخبرنا أنها لا تكون إلا لعبد من عباد الله. وهو يرجو أن يكون ذلك العبد ، وهذه الوسيلة أمرنا أن نسألها للرسول صلىاللهعليهوسلم. وأخبرنا أن من سأل له الوسيلة فقد حلت عليه الشفاعة يوم القيامة. لأن الجزاء من جنس العمل. فلما دعوا للنبي صلىاللهعليهوسلم استحقوا أن يدعو هو لهم. فإن الشفاعة نوع من الدعاء. كما قال (٣) : إنه من صلى عليه مرة صلى الله عليه بها عشرا. وأما التوسل بالنبي صلىاللهعليهوسلم والتوجه به في كلام الصحابة ، فيريدون به التوسل بدعائه وشفاعته. والتوسل به في عرف كثير من المتأخرين يراد به الإقسام به
__________________
(١) أخرجه مسلم في : الصلاة ، حديث ١١ عن عبد الله بن عمرو بن العاص.
(٢) أخرجه البخاري في : الأذان ، ٨ ـ باب الدعاء عند النداء ، حديث ٣٩٢ ، عن جابر بن عبد الله.
(٣) أخرجه مسلم في : الصلاة ، حديث ١١ عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، ضمن حديث طويل.