سعيد بن جبير قال : فما مثل رسول الله صلىاللهعليهوسلم قبل ولا بعد ، قال : ونهى عن المثلة ، قال (١) : لا تمثّلوا بشيء. والنهي عن المثلة مرويّ في الصحيح والسنن.
الثالثة ـ احتج بعموم هذه الآية جمهور العلماء ، في ذهابهم إلى أنّ المحاربة في الأمصار وفي السبلات على السواء. لقوله : (وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً). وهذا مذهب مالك والأوزاعي والليث بن سعيد والشافعيّ وأحمد.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ولو شهروا السلاح في البنيان لا في الصحراء لأخذ المال. فقد قيل : إنهم ليسوا محاربين بل هم بمنزلة المنتهب. لأن المطلوب يدركه الغوث إذا استغاث بالناس. وقال الأكثرون : إن حكم من في البنيان والصحراء واحد ، بل هم في البنيان أحق بالعقوبة منهم في الصحراء. لأن البنيان محل الأمن والطمأنينة ، ولأنه محل تناصر الناس وتعاونهم ، فإقدامهم عليه يقتضي شدة المحاربة والمغالبة ، ولأنهم يسلبون الرجل في داره جميع ماله ، والمسافر لا يكون معه غالبا إلّا بعض ماله ؛ وهذا هو الصواب.
حتى قال مالك في الذي يغتال الرجل فيخدعه حتى يدخله بيتا فيقتله ويأخذ ما معه : إن هذه محاربة. ودمه إلى السلطان لا إلى وليّ المقتول. ولا اعتبار بعفوه عنه في إنفاذ القتل.
وإنما كان ذلك محاربة ، لأن القتل بالحيلة كالقتل مكابرة ، كلاهما لا يمكن الاحتزاز منه ، بل قد يكون ضرر هذا أشدّ ، لأنه لا يدري به.
وقيل : إنّ المحارب هو المجاهر بالقتال ، وإنّ هذا المغتال يكون أمره إلى وليّ أمر الدم. والاول أشبه بأصول الشريعة.
الرابعة ـ ظاهر الآية : أن عقوبة المحاربين المفسدين أحد هذه الأنواع. فيفعل الإمام منها ما رأى فيه صلاحا.
__________________
ـ حتى أدخلوهم مأمنهم وأرضهم ، ونفوهم من أرض المسلمين. وقتل نبيّ الله منهم ، وصلب ، وقطع ، وسمل الأعين.
قال ، فما مثّل رسول الله صلىاللهعليهوسلم قبل ولا بعد.
قال : ونهى عن المثلة وقال «لا تمثّلوا بشيء».
قال : فكان أنس بن مالك يقول ذلك ، غير أنه قال : أحرقهم بالنار بعد ما قتلهم.
(١) أخرجه مسلم في : الجهاد والسير ، حديث ٣ وهو ضمن حديث طويل كان يوصي به صلىاللهعليهوسلم ، إذا أمّر أميرا على جيش أو سرية.