قال ابن أبي طلحة عن ابن عباس ، في الآية (١) : من شهر السلاح في قبة الإسلام ، وأخاف السبيل ثم ظفر به وقدر عليه ، فإمام المسلمين فيه بالخيار : إن شاء قتله ، وإن شاء صلبه ، وإن شاء قطع يده ورجله. وكذا قال سعيد بن المسيّب (٢) ومجاهد (٣) وعطاء (٤) والحسن البصري (٥) وإبراهيم النخعي (٦) والضحاك. كما رواه ابن جرير ، وحكي مثله عن أنس.
قال ابن كثير : ومستند هذا القول ظاهر. وللتخيير نظائر من القرآن. كقوله في جزاء الصيد : (فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً) [المائدة : ٩٥] ، وقوله في كفارة الترفه : (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) [البقرة : ١٩٦]. وقوله في كفارة اليمين : (إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) [المائدة : ٨٩] ، هذه كلها على التخيير ، فكذلك فلتكن هذه الآية. وقال الجمهور : هذه الآية منزلة على أحوال. أخرج الشافعيّ عن إبراهيم بن أبي يحيي ، عن صالح مولى التوأمة ، عن ابن عباس ، في قطّاع الطريق : إذا قتلوا وأخذوا المال قتلوا وصلبوا. وإذا قتلوا ولم يأخذوا المال قتلوا ولم يصلبوا ، وإذا أخذوا المال ولم يقتلوا ، قطّعت أيديهم وأرجلهم من خلاف ، وإذا أخافوا السبيل ولم يأخذوا المال نفوا من الأرض. وقد رواه ابن أبي شيبة عن عبد الرحيم بن سليمان ، عن حجاج ، عن عطية عن ابن عباس بنحوه ، وعن أبي مجلز وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعيّ والحسن وقتادة والسدّيّ وعطاء الخراساني نحو ذلك. وهكذا قال غير واحد من السلف والأئمة انتهى.
وفي (النهاية) من فقه الزيدية : يرجع في المحارب إلى رأي الإمام ، فإن كان له رأي قتله أو صلبه ـ لأن القطع لا يدفع المضرة ـ وإن كان لا رأي له لكنه ذو قوة قطعه من خلاف ، وإن عدم القوة والرأي ضرب ونفي ؛ وهذا معنى التخيير بين هذه الأمور ، أنه يرجع إلى اجتهاد الإمام ، على ما ذكر. انتهى.
__________________
(١) الأثر رقم ١١٨٥٠ من تفسير ابن جرير.
(٢) الأثر رقم ١١٨٥١ من التفسير.
(٣) الأثر رقم ١١٨٤٤ من التفسير.
(٤) الأثر رقم ١١٨٤٨ و ١١٨٤٩ من التفسير.
(٥) الأثر رقم ١١٨٤٦ و ١١٨٤٧ و ١١٨٥٢ و ١١٨٥٣ من التفسير.
(٦) الأثر رقم ١١٨٤٥ من التفسير.