بالسّوط) ، وجعل يقول : كل يا دهرى! ـ وفى الحديث : «من صام الدهر ضيّقت عليه جهنم ـ وعقد بيده» أخرجه أحمد والنسائى وابن حبان ، وظاهره أنها تضيق عليه حصرا لتشديده على نفسه ورغبته عن سنة نبيّه صلىاللهعليهوسلم ، واعتقاده أن غير سنّته أفضل ، فيكون حراما. وقوله : «لا صام من صام الأبد» دعاء من النبىّ صلىاللهعليهوسلم على من يفعل ذلك ، ويا ويل من أصابه دعاؤه ؛ أو هو خبر ، فيا ويل من أخبر عنه النبىّ صلىاللهعليهوسلم وشهد عليه أنه لم يصم ؛ أو أن معناه أنه لم يصم شرعا ، ولم يكتب له الثواب لأنه نفى عنه الصوم. ولا يعنى الحديث : «من صام رمضان وأتبعه ستا من شوال فكأنما صام الدهر» أن صيام الدهر أمر مطلوب وهو الأفضل ، فالمراد حصول الثواب على تقدير مشروعية صيام السنة كلها ، والمكلّف لا يجوز له صيام السنة.
وبقيت كلمة عن صيام داود ، فإنه فى كل أسفار اليهود لم يكن داود يصوم يوما ويفطر يوما ، والصيام الوحيد الذى صامه لما مات ابنه من الحيثية ـ وكان ولد سفاح ، وظل صائما طوال فترة مرض الولد (الملوك الثاني ١٢ / ١٦) ولم يفطر إلا بعد أن أخبروه أنه مات ، فلم يجد فائدة للصيام ولا جدوى. وعلى أىّ فصورة داود فى الإسلام بخلافها تماما فى أسفار اليهود ، وذلك هو الشأن مع كل أنبياء بنى إسرائيل فى القرآن وفى الأسفار ، فالقرآن ينزّه الأنبياء ويعلى من أقدارهم ، والأسفار تحط من قدرهم وتسخّفهم وتخطّئهم ، والأولياء فى الأسفار أعلى من الأنبياء قدرا وأفضل أفعالا.
* * *
٢٠٢٦ ـ صيام الثلاثة أيام البيض
هى بيض لأنها الأيام ثلاث عشرة ، وأربع عشرة ، وخمس عشرة ، وهى التى يكون فيها القمر من أول الليل إلى آخره ، فالليل يكون كالنهار ، واليوم بطوله كالنهار ، وليس فى الشهر يوم أبيض كله إلا هذه الأيام ، لأن ليلها أبيض ونهارها أبيض ، فصحّ قول «الأيام البيض» على الوصف. وأعطاها النبىّ صلىاللهعليهوسلم اسم «الغرّ» ، فكان يصوم ثلاثة أيام من غرة كل شهر. وقال فى صيامها إنها «كهيئة الدهر» ، وقال : «صيام ثلاثة أيام من كل شهر صيام الدهر : الأيام البيض صبيحة الثالث عشر» ؛ وقيل : كان يصوم من كل شهر ثلاثة أيام : الاثنين والخميس ، ثم الاثنين من الجمعة التالية ؛ وقيل : كان يصوم من كل شهر ثلاثة أيام ما يبالى من أى الشهر صام ، وكان ينوّع أيام صيامه ليبيّن للناس جواز ذلك ، وكل ذلك فى حقّه أفضل ، غير أن البيض تترجّح بكونها وسط الشهر ، ووسط الشيء أعدله ؛ ورجّح بعضهم صيام الثلاثة أيام فى أول الشهر ، لأن المرء لا يدرى ما يعرض له من الموانع ، أو صيام يوم