٢٠٢٥ ـ صيام الدهر وصيام النبىّ داود
لما بلغ النبىّ صلىاللهعليهوسلم أن عبد الله بن عمرو بن العاص يسرد الصوم (أى يتابعه) ويصلّى الليل ، قال له : «صم وأفطر ، وقم ونم ، فإن لجسدك عليك حقا ، وإن لعينيك عليك حقا ، وإن لزوجك عليك حقا ، وإن لزورك (أى زوارك وضيوفك) عليك حقا ، وبحسبك أن تصوم كل شهر ثلاثة أيام ، فإن لك بكل حسنة عشرة أمثالها ، فإذن ذلك صيام الدهر كله (يعنى كأنك صمت الدهر كله)». والحديث له عدة روايات ، ففي رواية قال له : «فصم من كل جمعة ثلاثة أيام» ، وفى رواية : «فصم يوما وأفطر يومين» ، وفى رواية : «يكفيك من كل شهر ثلاثة أيام» فقال له : يا رسول الله! قال : «خمسة» ، قال : يا رسول الله! قال : «سبعة» قال : يا رسول الله! قال : «تسعة» ، قال : يا رسول الله! قال : «أحد عشر». وفى رواية قال : «صم يوما من كل عشرة أيام ولك أجر ما بقى». قال : إنى أطيق أكثر من ذلك! قال : «صم يومين ولك أجر ما بقى» ، قال : إنى أطيق أكثر من ذلك! قال : «صم ثلاثة أيام ولك أجر ما بقى» ، قال : إنى أطيق أكثر من ذلك! قال : «صم أربعة أيام ولك أجر ما بقى» ، قال : إنى أطيق أكثر من ذلك. قال : «صم صيام داود». يقول : عبد الله : فلم يزل يناقصنى وأناقصه. وفى رواية قال : «صم الاثنين والخميس من كل جمعة» ، وفى رواية قال : «صم من كل عشرة أيام يوما ولك أجر تلك التسعة» ، ثم قال : «صم من كل تسعة أيام يوما ولك أجر تلك الثمانية» ، ثم قال : «من كل ثمانية أيام يوما ولك أجر السبعة» ، فلم يزل حتى قال : «صم يوما وأفطر يوما». وفى رواية أن النبىّ صلىاللهعليهوسلم لمّا سمع أن عبد الله بن عمر يقول : والله لأصومن النهار ولأقومن الليل ما عشت! قال له : «فإنك لا تستطيع ذلك ، فصم وأفطر ، وقم ونم ، وصم من الشهر ثلاثة أيام ، فإن الحسنة بعشرة أمثالها ، وذلك مثل صيام الدهر» ، فقال عبد الله : إنى أطيق أفضل من ذلك! قال : «فصم يوما وأفطر يومين» ، قال : فإنما أطيق أفضل من ذلك! قال : «فصم يوما وأفطر يوما ، فذلك صيام داود عليهالسلام ، وهو أفضل الصيام» ، قال : إنى أطيق أفضل من ذلك! فقال النبىّ : «لا أفضل من ذلك». وقوله : «مثل صيام الدهر» فإن المثلية لا تستلزم التساوى من كل جهة ، لأن المراد هنا هو التضعيف الحاصل من الفعل ، فيصدق على فاعل ذلك أن صيامه كصيام الدهر مجازا. وفى قوله : «لا أفضل من ذلك» ، فى رواية : «أحبّ الصيام إلى الله صيام داود» ، وفى رواية : «أفضل الصيام صيام داود». وفى رواية : «فصم صيام داود عليهالسلام ، كان يصوم يوما ويفطر يوما ولا يفرد إذا لاقى». وقال : «لا صام من صام الأبد» ، فاستدلّ بهذا على كراهية صوم الدهر. وقوله : «لا صام» كقوله تعالى : (فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى) (٣١) (القيامة).
وفى الرواية أن عمر بن الخطاب بلغه أن رجلا يصوم الدهر ، فأتاه فعلاه بالدرّة (أى