النبىّ صلىاللهعليهوسلم أول ما صلى ، صلّى إلى بيت المقدس وليس فى ذلك قرآن ، فلم يكن الحكم إلا من جهة السنة ، ثم نسخ ذلك بالقرآن.
* * *
١٩٤٩ ـ لما ذا اختيار بيت المقدس قبلة بدلا من الكعبة
قيل : القبلة فى المدينة ظلت طوال ستة عشر شهرا أو سبعة عشر إلى بيت المقدس ، عن رأى واجتهاد من النبىّ صلىاللهعليهوسلم ، وكان له الخيار بين بيت المقدس وبين الكعبة ، فاختار القدس طمعا فى إيمان اليهود واستمالتهم ، وامتحانا لقريش ، لأنهم ألفوا الكعبة فأراد أن يمتحنهم بغير ما ألفوه ، لينكشف من يتبعه ممن لا يتبعه ، ثم نسخ الله اجتهاده وأمره بالصلاة إلى الكعبة ، كقوله : (وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ) (١٤٣) (البقرة) ، والمعنى كما قيل : ليميز الله أهل اليقين من أهل الشك. وعلمه تعالى علم معاينة يوجب الجزاء ، وإلا فهو سبحانه عالم الغيب والشهادة ، ويعلم ما يكون قبل أن يكون ، مثل قوله تعالى : (وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ) (آل عمران ١٤٠) ، وقوله : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ) (٣١) (محمد).
* * *
١٩٥٠ ـ بيت المقدس لم يبنه إبراهيم ولا صلّى إليه
فى التوراة : أن إبراهيم لمّا هاجر من أور الكلدانيين إلى أرض كنعان ، اجتاز إلى موضع شكيم وإلى بلوطة مورة ، وتجلّى له الربّ هناك ، فبنى مذبحا للربّ ، ثم بنى مذبحا غربى بيت إيل وشرقى العاى (التكوين ١٢ / ٦ ـ ٨) ، وبنى مذبحا آخر فى بلوط ممرا بنابلس (تكوين ١٣ / ١٨). ولما أمر بذبح ابنه كان ذلك فى أرض مورية بالقرب من بئر سبع. وأما إسحاق فإن الربّ تجلّى له فى بئر سبع وهناك بنى مذبحا (التكوين ٢٦ / ٢٥) ، وفى لوز أقام يعقوب نصبا وأطلق على المكان بيت إيل (تكوين ٢٨ / ١٩) ، وأقام مذبحا فى شكيم مدينة أهل شكيم أى نابلس (تكوين ٢٣ / ٢٠) ، وآخر فى بيت إيل (تكوين ٣٥ / ٧) عبارة عن نصب من حجر. وأما موسى فبنى مذبحا أسفل جبل سيناء (الخروج ٣٠ / ١) ، وبنى بلعام سبعة مذابح فى بعل (العدد ٢٣ / ١). والذى فكر فى بناء البيت فى القدس هو داود ، وأعدّ له العدّة والمكان فوق جبل مورية ، وأكمله سليمان (١ أحبار ١٧ / ١٢) حوالى سنة ٩٦٨ ق. م ، وهدمه البابليون سنة ٥٨٧ ق. م ، ثم بناه زربابل سنة ٥٣٨ ق. م ، ورمّمه هيرودس سنة ٢٠ ق. م ، وتم الترميم فى عهد أغريباس الثانى سنة ٦٤ م. وبيت المقدس ـ ولا أى بيت لله يهودى ـ لم يأمر به الله كما رأينا ، ولكنه كان اجتهادا من كل منهم فلا تثريب على النبىّ صلىاللهعليهوسلم إذن أن يتمنى لو يصرف عن بيت المقدس إلى الكعبة ، لأن الكعبة هى ميراث إبراهيم وليس بيت المقدس ، كقوله : (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ) (١٢٧)