(البقرة). والدليل على صدق رواية القرآن أنه يصادق على ما ورد فى التوراة عن إبراهيم ، حيث كان دأبه أن يقيم المذابح والأنصاب لله ، والآية تقول بالضبط ما كان يفعله فى كل ما كان يبنيه أو يقيمه بالحجارة ويرفع قواعده ، وفى هذه المرة لم يقم مذبحا ولا نصبا وإنما بنى بيتا حقيقيا بقواعد. وهذا البيت نفسه هو الذى كان يتمناه النبىّ صلىاللهعليهوسلم للمسلمين ، لأنه فعلا بيت لله بكامل معنى البيت.
* * *
١٩٥١ ـ هوى اليهود أن يكون بيت المقدس قبلة المسلمين
قبلة بيت المقدس كانت إلى المشرق ، وقبلة الكعبة كانت إلى المشرق ، وفى مكة كانت قبلة النبىّ صلىاللهعليهوسلم مكة ، وفى المدينة توجه إلى بيت المقدس لعل اليهود يؤيدون الإسلام ، فيمكن من بعد توجيههم إلى الكعبة ، ولكنهم عادوه وهزءوا من الإسلام ، فنزلت الآية : (وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ) (١٤٥) (البقرة) ، لأن أهل الكتاب ما آمنوا بأية آية أتى بها لإقناعهم ، وقوله : (ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ) دليل على أن الكعبة كانت قبلته صلىاللهعليهوسلم ، وإن بدا أنه يتوجه إلى بيت المقدس ، فكما قلنا إن بيت المقدس والكعبة كلاهما يتوجه إلى المشرق ، فلا تدرى هل المصلى يصلى إلى الكعبة أم إلى بيت المقدس ، والفرق فى التوجه ضعيف. وقوله : (وَما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ) فيه نفى أنه كان يتبع قبلتهم على الحقيقة ، أو أنه منذ الآن لن يتبع قبلتهم. وقوله : (وَما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ) دليل على أن إجماع اليهود لم يكن ينعقد على بيت المقدس قبلة ، ولكن قبلتهم كانت المشرق ، وكان يهود السامرة يجعلون قبلتهم إلى جبل جرزيم حيث اعتقادهم أن الهيكل بنى هناك ، وقوله : (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ) دليل على أن هوى اليهود كان أن يتخذ المسلمون بيت المقدس قبلة لهم ، ففي ذلك إقرار بتبعية الإسلام لليهودية ؛ والعلم : هو ما أعلمه به الله : أن تكون الكعبة هى قبلته. والحمد لله ربّ العالمين!
* * *
١٩٥٢ ـ الحقّ الذى يعرفه اليهود كأبنائهم
لم يفرض على اليهود فى كتبهم التوجه فى الصلاة إلى بيت المقدس ، فهذا شىء جديد لم يعرفوه إلا فى حكم داود وسليمان ، وكانوا قبل ذلك يصلون حيثما يوجّه تابوت العهد أو خيمة الشهادة ، أو أنهم كانوا يتوجهون فى صلاتهم ناحية المشرق كما فعل إبراهيم وإسحاق ويعقوب عند ما كانوا يقيمون الأنصاب لله ويصلون إليها ، وفى الآية : (وَلَئِنِ