هدى الله وصدّقوا الرسول ، ومن تشكك كانت حجته أن الأمر فى الإسلام غير مستقر ، فتارة مكة هى القبلة ، وتارة بيت المقدس ، وتارة يأتى الأمر بالعودة إلى الكعبة ، فأنزل الله : (قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ) (١٤٢) (البقرة) ، أى أيّما اتجاه يأمركم به الله فهو قبلتكم ، وأينما تولوا وجوهكم فثمة وجه الله ، وله الأمر جميعا ، فإن شاء أمر بالكعبة أو ببيت المقدس أو بالكعبة ثانية ، وما الإيمان إلا الامتثال لأمره تعالى ، وبالطاعة أو العصيان يتميز المؤمن من الكافر ، وتحويل القبلة قد يعظم عند البعض ، وهؤلاء يدفعهم المرض فى قلوبهم إلى ما يقولون ، كمثل قوله تعالى : (وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (١٢٤) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ) (١٢٥) (التوبة) ، وقوله : (قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى) (٤٤) (فصلت) ، وقوله : (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً) (٨٢) (الإسراء).
* * *
١٩٤٨ ـ القبلة نسختها السنة مرة والقرآن مرة
فى الآية : (سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (١٤٢) (البقرة) أن تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة كان موضع تساؤل السفهاء ، جمع سفيه وهو الخفيف العقل البهّات الكذّاب ، والظلوم الجهول ، والمراد بالسفهاء يهود المدينة : قالوا : محمد قد التبس عليه أمره وتحيّر ؛ والمنافقون قالوا : محمد اشتاق إلى مولده ، وعن قريب يرجع إلى دينكم. فما ذا كانت قبلة النبىّ صلىاللهعليهوسلم فى مكة ، ثم فى المدينة؟ قيل : فى مكة كانت قبلته إلى الكعبة ، ثم صارت إلى بيت المقدس فى المدينة ستة عشر أو سبعة عشر شهرا ، ثم صرف إلى الكعبة. وقيل : أول ما افترضت الصلاة عليه ، توجّه فى صلاته إلى الكعبة ، وكان يصلى فى الكعبة نفسها ، ولم يزل يصلى إليها طوال مقامه بمكة ، ولم يكن قد فرض عليه أن يولّى وجهه فى الصلاة نحو الكعبة أو غيرها ، ولكنه فعل ذلك اجتهادا بحكم العادة وما كان يفعله أهل مكة ، فلما قدم إلى المدينة ، صلى إلى بيت المقدس إلى أن صرف عنها إلى الكعبة ، ولم يكن قد صدر إليه أمر بذلك ، ولكنه فعل ذلك اجتهادا منه ، وكما كان يفعل الناس فى المدينة ، يقلّدون اليهود ، فكأن توجّهه فى مكة إلى الكعبة كان من السنّة ـ أى من عنده ـ ثم توجّهه فى المدينة إلى بيت المقدس كان من السنّة أيضا ، أى من عنده ، فكأن السنّة بشأن القبلة نسختها السنة مرة ، لما حوّلت القبلة من الكعبة إلى بيت المقدس ، ثم نسخ القرآن النسخ مرة أخرى عند ما حوّل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة فدلّ ذلك على أن القرآن ينسخ السنة. وكان