١٩٤٦ ـ قبلة المسلمين عربية
القبلة : هى الجهة ؛ وقبلة المصلّى : هى الجهة التى يصلّى نحوها ، والجمع فى التكبير قبل ، وفى التسليم قبلات ، وقبلات ، وقبلات. وفى الآية : (قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) (١٤٤) (البقرة) ، قيل : إن النبىّ صلىاللهعليهوسلم ظل يصلى فى مكة وقبلته إلى الكعبة كما كان يصلى إبراهيم وإسماعيل ، فلما قدم المدينة صلى إلى بيت المقدس ستة عشر شهرا أو سبعة عشر ، أراد أن يستألف اليهود فتوجه إلى قبلتهم ليكون ذلك أدعى لهم ، ولم يكن الله تعالى قد أمره بشيء بعد بهذا الخصوص ، وكان قلبه مع القبلة فى مكة ، فلما استيقن عناد اليهود وأيس منهم ، كان كلما صلّى يرفع رأسه إلى السماء ينظر ما يؤمر به ، وكان يحب أن يوجّه إلى الكعبة ، فكان ما تمنّى وأنزل الله : (قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ). وكانت الكعبة قبلة إبراهيم ولم تكن كذلك بيت المقدس ، وما صلى إسماعيل وإسحاق ويعقوب إلى بيت المقدس ، وكان توجه الجميع إلى «المشرق» فى صلاتهم وما يزال ، واليهود والنصارى هذا توجههم. والكعبة عربية وأولى بالعرب فى دينهم الإسلام ، وفى التوجه إليها مخالفة لليهود. وقيل كان سليمان يصلى إلى صخرة الهيكل وتوجهه إلى المشرق ـ يعنى إلى الكعبة ، والكعبة بوضعها كانت قبلة كل الأنبياء ، وقال المستشرق فينسنك : إن الساميين جميعهم يصلّون إلى المشرق. وميزة الكعبة أنها عربية ، وتوجّه اليهود إلى المشرق كان كأنما يتوجهون إلى الكعبة ، وكأن النبىّ صلىاللهعليهوسلم وهو فى المدينة ، فى توجهه إلى بيت المقدس كان ما يزال يتوجه إلى الكعبة فى مكة. وكانت بعض المساجد فى المدينة تجعل قبلتها إلى الكعبة كمسجد صالح. والفرق بين التوجه إلى الكعبة. أو إلى بيت المقدس طفيف للغاية وقد يفوت على كثيرين. والمهم : أن القبلة صارت رسميا إلى الكعبة العربية بنزول هذه الآية ، فكأن هذه الآية كانت تعريبا صريحا للقبلة.
* * *
١٩٤٧ ـ تحويل القبلة كبر على المتشككين
لمّا نزل الأمر بالقبلة ، وكانت هذه هى التحويلة أو التولية الثانية ، تشكك البعض من أهل النفاق ، وحنق اليهود ، وسرّ المشركون ، وكانوا جميعا على قول واحد : (ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها) (١٤٢) (البقرة) ، فنزلت : (وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ) (١٤٣) (البقرة) ، وذلك دليل على أن البعض فعلا ترك الإسلام بسبب ذلك ، ولم يثبت إلا المؤمنون الذين