واستغوته وزيّنت له ودعته إلى الكفر ، بينما أبوه وأصحابه يدعونه إلى الهدى ، وأن ينضم إليهم ويتابعهم عليه ، وهو حيران يتخبّطه الشيطان من المسّ فلا يهتدى لجهة ما. وأنكرت عائشة ذلك تماما عن أخيها ، وأقسمت عليه ، وشيعة علىّ هم الذين أشاعوا عنه ذلك لأنه انضم لعائشة فى الجمل ؛ وبنى أصحاب معاوية على الفرية ، لأنه رفض الإقرار ليزيد بالبيعة ، واشمأز أن تتحول الخلافة إلى هرقلية أو قيصرية يرثها الأبناء عن الآباء. وعبد الرحمن من أفاضل الصحابة ، وممن رووا الحديث ، وصحب النبىّ صلىاللهعليهوسلم فى الحديبية ، وكان اسمه قبل الإسلام عبد الكعبة فسمّاه النبىّ صلىاللهعليهوسلم عبد الرحمن ، وكان أسنّ ولد أبى بكر ، وشقيق عائشة ، ويقال : لم يدرك النبىّ أربعة ولاء ، أى أب وبنوه ، إلا أبا قحافة ، وابنه أبا بكر ، وابنه عبد الرحمن بن أبى بكر ، وابنه أبا عتيق محمد بن عبد الرحمن : (ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (٣٤). (أنظر أيضا أسباب النزول لآية (وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما ...) (١٧) (الأحقاف).
٨ ـ وفى قوله تعالى : (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ تُبْدُونَها وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُمْ ما لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آباؤُكُمْ قُلِ اللهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ) (٩١) : قيل : الذى قال ذلك فنحاص اليهودى ، وقيل : هو مالك بن الصيف ، جاء يخاصم النبىّ صلىاللهعليهوسلم ، فقال له النبىّ صلىاللهعليهوسلم : «أنشدك بالذى أنزل التوراة على موسى ، أما تجد فى التوراة أن الله يبغض «الحبر السمين»؟ وكان مالك هذا حبرا سمينا ، فغضب وقال : والله ما أنزل الله على بشر من شىء. فقال له أصحابه : ويحك ، ولا على موسى؟ فقال : والله ما أنزل على بشر من شىء ، فنزلت الآية.
٩ ـ وفى قوله تعالى : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللهُ وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ) (٩٣) : قيل : نزلت فى رحمان اليمامة ، والأسود العنسى ، وسجاح زوجة مسيلمة ، كلهم تنبّئوا ، وقيل : الآية نزلت فى مسيلمة. ولمّا نزلت الآية التى فى «المؤمنون» : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ) (١٢) ، دعا النبى صلىاللهعليهوسلم عبد الله بن أبى سرح الذى كان يكتب الوحى له ، فأملاها عليه ، فلما انتهى إلى قوله : (ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ) عجب عبد الله فى تفصيل خلق الإنسان ، فقال : «تبارك الله أحسن الخالقين» فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «هكذا أنزلت علىّ» ، فشك عبد الله حينئذ ، وقال : لئن كان محمد صادقا ،