الفرد من الأقلية يميل إلى التعيّن بثقافة الأغلبية ، فيسلك بحسب معاييرهم ، ويحرّم ما يحرّمون ، ويحلّل ما يحلّلون ، فيبرأ من دينه ولا يدرى ، ويستمال أولاده إلى ما لا يجب ، ويعتنقون ما كان يخشى ، فكان مكروها لذلك الزواج من الكتابية وخاصة الحربية ، والإسلام لم يقر الزواج من الكتابية إلا ليطلع أهل الكتاب على مضمونه ، ويعرفوه عن قرب ، فلعل تعاليمه تعجبهم ، وعساهم يؤمنون به. ومن يتزوج من كتابية عليه أن يجعل ذلك نصب عينيه ، وغاية مرامه ، وشغل أيامه ، أنه فى حقيقته داعية إلى الإسلام ، وإنما بطريقة مختلفة ، وربما كانت هى الطريقة الأذكى ، والوسيلة الأنجح ، والأداة الأكثر فائدة ، والقدوة خير من الوعظ ، والمسلم الذى يتزوج من كتابية عليه أن يكون نموذجا للمؤمن ، فيحبّذ بسلوكه الآخر إلى الإسلام ، ويغرى غير المسلمين ، برقيه وتحضّره ، إلى اعتناق الإسلام ، ويقنعهم بعلمه وخلقه. والمسلم الذى يتزوج من كتابية يتعرّض لما يسمى التقارب بين الأديان ، والمقارنة بين العقائد ، والحوار بين الحضارات ، ولا بد له أن يكون صاحب علم ودراية ، واسع الأفق ، بعيد النظر ، أريب كيّس ، يعرف طريقه ، ويحدد أهدافه ، خاصة وهو يساكن الكتابية فى بلدها ، ويحتك بثقافتها فى كل وقت ، وتدعوه بجمالها ، ويغريه أن يتقلّد فى قومها المناصب ، ويجد المأوى والملاذ ، ومن ذلك كارلوس منعم وأسرته المسلمة فى الأرجنتين ، فقد تنصّر لكى يعلو حتى صار رئيسا لدولتها ، وتنصّر كثيرون لكى يستشعروا الانتماء وتنتهى غربتهم ، وتهوّد مسلمون فى إسرائيل تعيّنا بعقيدة الغالب كما يقول عالم النفس ليفين Levin ، وهؤلاء وأولئك كان مدخل تنصّرهم أو تهوّدهم زواجهم من كتابيات حربيات ، فلتحذر ذلك يا أخى المسلم ، واعلم أن الحقلة لا تنبت إلا البقلة ، وأن المطامع تقطع أعناق الرجال ، ولا ينفعك من جار سوء توقّ.
* * *
١٦٨٥ ـ زواج المسلم لا يكون إلا من محصنة مؤمنة
المسلم لا يتزوج إلا محصنة مؤمنة ، كقوله تعالى : (أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ) (النساء ٢٥) ، والمحصنات المؤمنات : هن الحرائر العفائف المؤمنات ، اللاتى لا يتعاطين الزنا ، وقوله بعد ذلك : (فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ) (النساء ٢٥) أى إن لم تجدوا زوجات من الحرائر ، فانكحوا الفقيرات ، بشرط أن يكن أيضا : (مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ) (النساء ٢٥) ، أى لا يزنين علنا ، ولا يرافقن الرجال سرا ، وفى كل الأحوال فإن المطلوب من المسلم ، فى عصر كهذا تفشّى فيه الزنا مع النقلة الحضارية ، أن يختار زوجته واعية ، ومثقفة ،