وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ) (النور ٢٢) ، والأيّم : هو المرأة أو الرجل لا يجد نكاحا ، وقوله : «إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله» قال ابن عباس : رغّبهم فى التزويج وأمر به الجميع ، ووعدهم عليه الغنى». قال أبو بكر : أطيعوا الله فيما أمركم به من النكاح ، ينجز لكم ما وعدكم من الغنى». وعن ابن مسعود قال : التمسوا الغنى فى النكاح بقوله تعالى : «إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله». وفى الحديث : «النساء تجلب المال» يعنى أن الله يغنى من يتزوجهن. وعنه صلىاللهعليهوسلم قال : «ثلاثة حقّ على الله عونهم : الناكح يريد العفاف ، والمكاتب يريد الأداء ، والغازى فى سبيل الله» ، فقرر أن الله فى عون هؤلاء ، وقرن بينهم ، فالمكاتب : هو الذى يريد أن يعتق نفسه ويحررها ؛ والغازى : هو المجاهد فى سبيل الله يريد تحرير الناس من شركهم ؛ والناكح : هو الذى ينشد الزواج ويريد به تحرير نفسه من شهواتها. والصلاح كشرط للزواج هو صلاح النفس ، وهو أرقى معيار وصل إليه العلم النفسانى ، وليس هو الصلاح المادى الذى أساسه امتلاك المال أو السلطان. وزواج الصالح هدف نبيل ينبغى أن يعان عليه صاحبه ، وقد زوّج الرسول صلىاللهعليهوسلم الرجل الصالح الذى لا يجد عليه إلا إزاره ولم يقدر على خاتم من حديد! وزوّجه بالمرأة الصالحة التى جاءته صلىاللهعليهوسلم تطلب أن يزوّجها. ولا تثريب على المرأة أن تطلب الحلال ، وطلبه ليس خدشا لحيائها ، فلا حياء فى الدين ، ونشدان الزواج استكمال للدين ، وقد زوّجها النبىّ بهذا الرجل المملق وجعل صداقها عليه أن يعلّمها ما معه من القرآن. والله قد وعد كل فقير وفقيرة أن يغنيهما بالزواج. ولمّا جاء الرجل إلى الحسن البصرى قال له : جاءنى أناس يخطبون ابنتى ، فأيهم أزوّجها له؟ فقال : زوّجها تقيّا ، إن أحبها أكرمها ، وإن كرهها لم يظلمها! ولمّا عرض أمير من الأمراء على سعيد بن المسيّب ، أن يتزوج ابنته رفضه لعدم تقواه ، وزوّجها لفقير تقىّ ، فكانت بعد ساعات تجلس إلى زوجها تقول له : اجلس أعلّمك علم سعيد! وصدق الله العظيم إذ يقول : (الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ) (النور ٢٦)! وعن الرسول صلىاللهعليهوسلم قال : «إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوّجوه ، إلّا تفعلوا تكن فتنة فى الأرض وفساد كبير»! والعنوسة فى النساء ، والعزوبة فى الرجال ، سبب لهذا الفساد ، ومظنة سوء ، وداعية زنا ، ومحنة وابتلاء للمؤمنين والمؤمنات ، وعدم الزواج مخافة الفقر شرّ مستطير ، وهذا التحذير والتنبيه هو من الأدب العالى من أبواب الزواج فى الإسلام ، ولا نظير له فى النصرانية ولا فى اليهودية ، وهو من التعاليم الرشيدة التى تمليها الحكمة ، وتفرضها الضرورات ، وتقوم بها المجتمعات ، وتنهض عليها الدول ، والحمد لله على الإسلام ، ولله كل المنّة.
* * *