من يتزوج أن يبوّئ من يتزوجها منزلا وينفق عليها ، والذى لا يقوى على الجماع ، أو ليس بوسعه مؤنته ، فعليه بالصوم يدفع به شهوته ، ويقطع شرّ منيّه. وقوله من «استطاع منكم الباءة» يقسم الشباب قسمين : أحدهما من يتقدمون إلى الزواج ولهم اقتدار عليه ، فهؤلاء ندبهم إلى أن يتزوّجوا دفعا للمحذور ؛ والآخر الشباب الذين لا قدرة لهم على الوطء ، لفرط حياء ، أو عدم شهوة ، أو بسبب عنّة ، أو لأنهم لا يجدون شيئا يتزوجون به ويعولون به زوجاتهم ، فندبهم إلى التعفّف ، وأن يستمروا على حالهم. والتقوى سبب لغض البصر وتحصين الفرج. والزواج أشد غضّا ، وأشد إحصانا للفرج ، ومنعا للوقوع فى الفاحشة. والصوم الموصوف كعلاج لغير المستطيع من شأنه كسر الشهوة ، والصائم عن النساء يمتلك نفسه ، وبالجوع تقل فرص استثارة شهوته ، وهو المقصود بقوله فإنه «له وجاء» : والوجاء فى اللغة رضّ الأنثيين ، أى الخصيتين ، وإطلاق الوجاء على الصيام من مجاز المشابهة. ومن لا تجتمع له فوائد الزواج ، ولم تنتف آفاته ، فترك الزواج له أفضل. غير أن الأحاديث فى الزواج كثيرة ، ومن ذلك قوله صلىاللهعليهوسلم : «لا رهبانية فى الإسلام» ، وقوله : «تزوّجوا الودود الولود» ، وقوله : «تناكحوا تكاثروا» ، وقوله : «تزوجوا فإنى مكاثر بكم الأمم ولا تكونوا كرهبان النصارى» ، وقوله : «من لم ينكح فليس منا» ، وقوله : «إنما يمنعك من التزويج عجز أو فجور» ، وقوله : «النكاح سنّتى ، فمن رغب عن سنتى فليس منى» ، وقوله : «من رزقه الله امرأة صالحة فقد أعانه على شطر دينه ، فليتق الله فى الشطر الثانى». والقول بالصيام استعفافا أراد به اتخاذ عبادة الصيام كبديل لعبادة الزواج. وشهوة النكاح تابعة لشهوة الأكل ، وتقوى بقوته ، وتضعف بضعفه. ولا ينبغى أن نفهم أن استخدامه لمصطلح الوجاء أنه يقول بالخصاء كما طالب البعض ، فالخصاء محرّم ، والتقوى كبديل للزواج مثلها مثل تعاطى المسكّنات ، والأحاديث تحصر العلاج لمن لا يستطيع الزواج ، فيما يسمى فى الطب النفسى «العلاج بالإرادة» ، وهو أن يروض نفسه على غضّ البصر وتحصين الفرج بكل ممكن طالما لا يستطيع الزواج ، مع عدم التكليف بغير المستطاع ، ويحرم الاستمناء بالتبعية كبديل للزواج ، لأنه ليس صوما يقطع الشهوة ، والحنابلة وبعض الحنفية يبيحون الاستمناء ، إلا أن الاستمناء فى الطب النفسى يصيب صاحبه بالنهك العصبى ، أو النيوراستينيا ، فكأنه يستعين على تحاشى ضرر بما هو أضرّ منه.
* * *
١٦٢٤ ـ الزواج سنّة المرسلين
قيل : عاب اليهود على النبىّ صلىاللهعليهوسلم كثرة الزواج ، وقالوا : ما نرى لهذا الرجل همّة إلا