بَلَغُوا النِّكاحَ) (النساء ٦) فإن المراد به الحلم. واختيار اسم النكاح كناية وهو أليق من اسم الجماع ، ومن ذلك فى القرآن تأتى كثير فى الأسماء بهذا المعنى ، كالملامسة ، تعنى الجماع : كقوله تعالى : (أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ) (النساء ٤٣) ؛ والمماسة : كقوله : (مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَ) (الأحزاب ٤٩) ؛ والقرب : كقوله : (وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ) (البقرة ٢٢٢) ؛ والتغشّى ، كقوله : (فَلَمَّا تَغَشَّاها حَمَلَتْ) (الأعراف ١٨٩) ؛ والإتيان : كقوله : (أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ) (النمل ٥٥).
* * *
١٦٢٣ ـ النكاح من المرغوبات فى الإسلام
فى الرواية عن الرهط من المسلمين الذين اجتمعوا يتذاكرون ، فسألوا عن عبادة النبىّ صلىاللهعليهوسلم ، فتقالّوها ، وقال أحدهم : أما أنا فأصلى الليل أبدا ؛ وقال آخر : وأنا أصوم الدهر ولا أفطر ؛ وقال آخر : وأنا اعتزل النساء فلا أتزوج أبدا ؛ فجاء رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : «أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إنى لأخشاكم وأتقاكم له ، ولكنى أصوم وأفطر ، وأصلى وأرقد ، وأتزوج النساء ، فمن رغب عن سنّتى فليس منى»! أخرجه البخارى بطريق أنس. «وتقالّوها» يعنى استقلّوها ؛ والرهط الجماعة ، قيل كانوا عشرة وزعموا أنهم : أبو بكر ، وعمر ، وعلىّ ، وابن مسعود ، وأبو ذرّ ، وسالم مولى أبى حذيفة ، والمقداد ، وسلمان ، وعبد الله بن عمرو بن العاص ، ومعقل بن مقرن ، وبعض هذه الأسماء غير صحيح ، بل إن بعضها أبعد ما تكون عمن يمكن أن يفعلوا ذلك ؛ وقيل : كان اجتماعهم فى بيت عثمان بن مظعون ، والواقع أنه هو الوحيد الذى كان يفعل ذلك. وقيل : أنهم اتفقوا على أن يصوموا النهار ويقوموا الليل ، ولا ينامون على الفرش ، ولا يأكلون اللحم ، ولا يقربون النساء ، وأن يجبّوا مذاكيرهم! والحديث فيه تعريض بالرهبانية ، وقد عابها الله تعالى عند النصارى ، بأنهم لم يوفّوا بما التزموه بها ؛ والسنّة ـ طريقة النبىّ صلىاللهعليهوسلم ، هى الحنيفية السمحاء ، والمسلم السنّى : يفطر ليتقوّى على الصوم ، وينام ليتقوّى على القيام ، ويتزوّج لكسر الشهوة وإعفاف النفس وتكثير النسل ؛ وقوله «فليس منى» : يعنى قد خرج على سنّتى ولكنه لم يخرج عن الإسلام.
والنكاح : عبادة ، وقد حضّ عليه الرسول صلىاللهعليهوسلم الشباب فقال : «يا معشر الشباب ، من استطاع منكم الباءة فليتزوج ، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء» أخرجه البخارى بطريق علقمة ، وفى رواية قال : «من استطاع الباءة فليتزوج فإنه أغضّ للبصر ، وأحصن للفرج» والحديث خصّ الشباب بالخطاب ، لأن داعى النكاح فيهم أقوى منه فى الشيوخ ؛ والباءة أو الباهة : هى النكاح أو الجماع ، وهى أيضا لوازم الزواج ومؤنته ، لأن من شأن