القرآن أسبابها تعدّدها الآية نفسها ، تقول : (بِما فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ) (النساء ٣٤). والقوامة : هى أن ينهض الرجل على أعباء المرأة ، ويتولى تكاليف معيشتها ، وأن يكون فى تعامله معها على حالة رفيعة من الأدب ، وفى الحديث : «خيركم خيركم لأهله» ، فخير الرجال من كان أديبا مع زوجته. وقال الله فى الحقوق والواجبات للنساء : (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) (البقرة ٢٢٨) ، أى أنه تعالى يساوى بينهما فى الحقوق والواجبات بحسب الزمان والمكان. والدرجة التى خصّ بها الرجال لا تدخل ضمن حقوق الرجال ولكنها فيما خصّ به الله الرجال من الخلق ـ أى «القوة» وما يستتبعها من القيام بالعمل ، والإنفاق على الأسرة ، وتعويض المرأة بحبسها عليه ، وله على ذلك الفضل من الله فى الدنيا وفى الآخرة. وفى حديث معاوية بن حيدة ، عن أبيه ، عن جدّه ، أنه سأل رسول الله صلىاللهعليهوسلم : ما حقّ زوجة أحدنا؟ قال : «أن تطعهما إذا طعمت ، وتكسوها إذا اكتسيت ، ولا تضرب الوجه ، ولا تقبّح ، ولا تهجر إلا فى البيت». وعن جابر أنه صلىاللهعليهوسلم قال فى خطبته فى حجة الوداع : «فاتقوا الله فى النساء ، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ، ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه ، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح ، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف». وذلك ما أوصى به النبىّ صلىاللهعليهوسلم ، وهو تفسيره لآية الضرب للنساء فى القرآن. وفى علم النفس ، وعلم الاجتماع ، وعلم الإجرام ، فإن من البديهى أن ينفعل الرجل وقد وطأ آخر امرأته ، أفلا يغار ويستشعر المهانة والعار؟ ذلك أمر من معقولات العلم الحديث ، وتفسير الرسول صلىاللهعليهوسلم للضرب بأنه غير مبرح وكأنما هو للتخفيف من غلواء الرجل الجريح فى كرامته وشرفه ، فلا أقل من أن يعبّر عن غضبه بذلك الضرب الموصوف بأنه غير مبرح ، يعنى لا ضرر منه وإنما هو للتنفيس عن الثورة المحتدمة فى نفس الرجل. ولا ضرب إطلاقا فيما سوى ذلك! ثم إن الضرب لا يكون إلا لبذيئة اللسان ، الناشز ، ولنا فى القصاص حياة! والثواب والعقاب جزاء كل أعمالنا ، فى التربية ، وفى المرور ، وفى السلوك ، وفى الاجتماع. ولا تستقيم الحياة بدون ثواب وعقاب. ثم انظر إلى الاختلاف بين شريعة التوراة وشريعة القرآن فيما هو من سنة المسلمين ، فعن ابن عباس رضى الله عنه قال : إنى لأحب أن أتزيّن للمرأة كما أحب أن تتزيّن لى المرأة ، لأن الله يقول : (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (البقرة ٢٢٨) ، والقوامة إذن فى القرآن تكليف وتشريف ، ومنهج وسلوك ، ومبدأ وتشريع ، وعلى عكس ذلك كانت فى التوراة بلا مبرر ، فما أسرع ما تعلل آدم عند مساءلته عن خطيئته بأنها من فعل حواء وبغوايتها ، فألقى المسئولية عليها دونه! وهذا لعمرى منتهى الظلم واللامعقول! ونعود إلى