فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ) (٣٥) (البقرة) ، وكانت الغواية لهما الاثنين معا : (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ (٢٠) وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ) (٢١) (الأعراف) ، ومن ثم عثر آدم وحواء معا ، كقوله : (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها) (البقرة ٣٦) ، وأضلهما معا : (فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ) (الأعراف ٢٢) ، واحتملا نتيجة المعصية معا ، وحاولا الإصلاح وسعهما معا : (فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ) (الأعراف ٢٢) ، وتوجه لهما اللوم معا ، كقوله : (وَناداهُما رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ) (٢٢) (الأعراف) ، واعتذرا معا ، واستغفرا الله معا ، وتابا إليه معا ، كقوله : (قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) (٢٣) (الأعراف) ، وطردا من الجنة معا ، كقوله : (فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ) (البقرة ٣٦) ، يشقيان معا فى الدنيا : (بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) (البقرة) ، وفى الدنيا يكون النسيان مرة أخرى للتكليف ، فينزل الله تعالى الرسل والنبيّين مذكّرا لهما معا ، ومحذّرا ومبشّرا ، كقوله : (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٣٨) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) (٣٩) (البقرة) فهذا هو الفرق بين الحكايتين فى الكتابين ، والنقص فى حواء ألصق بحكاية التوراة ، فأولى بحواء التوراة أن تكون الأقل دينا وعقلا ، وهو ما لا يوجد مثله فى القرآن! وفى حكاية القرآن مساواة تامة بين آدم وحواء ، والخطاب يتوجه إليهما معا ، وكلّ منهما كان حرا ومسئولا مسئولية كاملة ، وعقابه أو ثوابه يحتمله وحده ، وذلك منتهى العدل ، وغاية ما يبلغه التفكير السليم والمنطق القويم. ولذلك فإن هذه الأحاديث عن الرسول صلىاللهعليهوسلم فى اعوجاج المرأة ، وقلّة دينها وعقلها ، أقرب إلى التأثّر بما فى التوراة ، وخاصة حديث ابن عباس ، وإن كان قد زاد على حكاية التوراة أن ضلع آدم الذى خلقت منه حواء كان الأقصر الأيسر. وابن عباس ـ كما نحذّر دائما ـ من مروّجى الإسرائيليات!
وأيضا جاءت التوراة ، فى الفصل الثالث من سفر التكوين ، العبارة ١٥ : «وقال الربّ للمرأة : لأكثرنّ مشقّات حملك ، بالألم تلدين البنين ، وإلى بعلك تنقاد أشواقك ، وهو يسود عليك» ، والسيادة فى التوراة يقابلها القوامة فى القرآن ، فى قوله تعالى : (الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ) (النساء ٣٤) ، وفرق بين السيادة والقوامة ، فى المنشأ ، وفى المعنى ، وفى التبعات. فالسيادة فى التوراة كانت للرجل إطلاقا ، وتأكدت كعقاب للمرأة بغوايتها للرجل ، فكأنما سحبت منها ذاتيتها فصارت أمة للرجل ، تتبعه وتأتمر بأمره ، ويتسيّد عليها. والقوامة فى