المباحة ، أى تكون على طبيعتها كامرأة ، وليس المطلوب منها أن تسلك كالرجال ، وإنما تكون فاضلة كفضليات النساء ، فالفضيلة مطلب الجنسين معا ، وهى محك ومعيار إنسانية الإنسان سواء كان رجلا أو امرأة. ومن سياسة الإسلام مع النساء العفو عنهن ، كقوله تعالى : (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ) (٢٣٧) (البقرة) والصبر على عوجهن إن ظهر منهن العوج. وحديث : «المرأة خلقت من ضلع أعوج» ورد عند عبد الرزاق بما ينفى أنه من أحاديث رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وكان أحدهم قد جاء إلى عمر بن الخطاب يشكو إليه خلق النساء ، فقال عمر : إنّا لنجد ذلك حتى أنى لأريد الحاجة (يعنى أن يذهب إلى الغائط) فتقول (يقصد زوجته) : ما تذهب إلا إلى فتيات بنى فلان تنظر إليهن! فقال له عبد الله بن مسعود عند ذلك : أما بلغك أن إبراهيم شكا إلى الله رديء خلق سارة فقيل له : إنها خلقت من الضلع. جالسها على ما فيها ما لم تر عليها خربة فى دينها! فقال له عمر : لقد حشا الله فى أضلاعك علما كثيرا! ـ وهذه الأحاديث ـ كما ترى ـ مفتراة ، فليس من خلق عمر ما تقوله عنه زوجته! وليس من خلق زوجات عمر أن يتقولن عليه هكذا! وواضح أنها جميعا أحاديث من الإسرائيليات. وفى حديث الضلع الأعوج مشابهة بالتوراة ، ففي الفصل الثانى من سفر التكوين ، يأتى بدءا من العبارة ١٨ : «وقال الربّ الإله لا يحسن أن يكون الإنسان وحده فأصنع له عونا بإزائه» ، يتحدث عن خلق المرأة وأنها ليسكن إليها الرجل فى وحدته ، ولتعينه على معيشته ، ثم يجيء : «فأوقع الربّ الإله سباتا على آدم فنام ، فاستل إحدى أضلاعه وسدّ مكانها بلحم ، وبنى الربّ الإله الضلع التى أخذها من آدم امرأة ، فأتى بها آدم ، فقال آدم ها هذه المرّة عظم من عظامى ، ولحم من لحمى. هذه تسمى امرأة لأنها من امرئ أخذت ، ولذلك يترك الرجل أباه وأمه ويلزم امرأته ، فيصيران جسدا واحدا». فحديث الضلع الأعوج إذن إسرائيلى لا شك فى ذلك. وأما حقيقة خلق حواء فى القرآن فمثلها مثل خلق آدم. وحواء مسئولة كآدم ، على عكس التوراة فقد أسقطت عن آدم مسئوليته وقصرتها على حواء ، ففي الفصل الثالث من سفر التكوين يأكل آدم وحواء من شجرة المعرفة فتظهر لهما سوأتاهما ، فيخصفان عليهما من ورق الجنة ، وسألهما الربّ عن ذلك فقال آدم : «المرأة التى جعلتها معى أعطتنى من الشجرة فأكلت» ، فجعل الغواية من المرأة! وقالت المرأة : «الحيّة أغوتنى فأكلت» ، والحية هى الشيطان. وهذه الحكاية بهذه التفاصيل لم ترد فى القرآن ، ولم يرد فيه اتهام آدم لحواء ولا اتهام حواء للحيّة. وفى التوراة شمل التكليف بعدم الأكل من الشجرة آدم وحواء ، وكذلك القرآن ، فكان التكليف من نصيب الاثنين بلا فرق ، كقوله تعالى : (وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ